الاثنين، 29 أغسطس 2016

حديث الاثنين | الحلقة 147 (يوسف العزيز -7- ما وقع فيه الدعاة)

حديث الاثنين | الحلقة 147 (يوسف العزيز (7)... ما وقع فيه الدعاة)
مما تحزن له النفس وتتأسى له أنك تجد (بعض) الدعاة: يدعون الناس إلى الخير وهم متلبسون بخﻻفه، إذ يعظونهم عن أمور ربما كثير منها داخل في باب الاحتياط أو مما يتسع فيه الخﻻف، فيما تجدهم متلبسون بكبائر ﻻ خﻻف في حرمتها وهي عند الله عظيمة، ومن أكبرها ((التكبر)) وهو نابع من (الرياء والحقد والغيبة والغرور والعجب...) كما حددها اﻹمام أبوحامد الغزالي في اﻹحياء، وهي أمراض قلبية لو عرضت على الناس لما قبلوا دعوتهم، يقول الله تعالى :{إن السمع والبصر و(الفؤاد) كل أولئك كان عنه مسؤﻻ}، وﻻ ينجو من هذه اﻷمراض إﻻ القلة من خاصة الله كما ذكر ذلك اﻹمام الثميني في النيل. 

والمصيبة أن داء التكبر ﻻ يشين لب بل يتوسع ليشق صفوف اﻷخوة كما فعل بأبناء يعقوب -عليه السلام-، فكم من دعاة كانوا على وحدة فتفرقوا، فنتج عن تفرقهم اضمحلال الدعوة وتشتت بعض أتباعها وتأخر تقدمها.


حديث الاثنين | الحلقة 147 (يوسف العزيز (7)... ما وقع فيه الدعاة)

 لقد أوقعهم في شرك الفتنة والتواطئ فنخر البيت الدعوي من داخله وأصبحت كل فرقة تدعي الحق لنفسها وتتهم اﻷخرى بالنفاق والفسق والفتنة وسوء الظن ، فوجهت أسهم الدعوة في نحورهم بدل نحور الفتن، حتى توسعت دائرتها وعادت الدعوة يتيمة تجر خطامها إلى مربعها اﻷول أو أنكل.

وإذا نظرنا إلى أسباب ذلك نجد أن بذور الفرقة منشؤها مرض خطير هو كما ذكرت (التكبر) وإشارته من قول أبناء يعقوب:{ونحن عصبة}.
ومن أعراض مرض التكبر عند هؤﻻء الدعاة:
أنهم ﻻ يسمعون نصيحة فيرون أنفسهم أنهم أهل النصح الذين ﻻ يخطأون أبدا، أولم يقل الله -عز وجل-: {وتواصوا بالحق} ولم يقل (وصوا)؛ فالتواصي على وزن المفاعلة بين الأطراف فالكل يأخذ النصح ويعطي، بينما (وصوا) على وزن فعل؛ فطرف يعطي وطرف يأخذ، وليس هذا في بشيء في الدعوة.

كما أنهم ينظرون إلى من خالفهم في الرأي بازدراء أو عداوة فيستعدونه. يزاحمون إخوانهم في المناصب الدعوية بأقدميتهم فتظل الدعوة في خمول وتأخر فتحقص بذلك عن التجديد. و يتفاخرون بإقبال الناس لهم ومكانتهم الاجتماعية التي كسبوها من عدة خطب أو دروس أو غيرهما، فتجدهم يتقدمون مجالس الناس فيستنكفون الجلوس عند آخر المجلس. ويتعقبون زﻻت نظرائهم ففيها فرص للحط من قدرهم، فيرفعون أنفسهم فوقهم. ويسعون لكسب مكانة في القلوب، ويتضجرون إن لم يجدوا عندهم قبوﻻ ﻷنفسهم... والنبي يحذر قائﻻ:(من سره أن يرى الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار)، وكان -صلى الله عليه وسلم- ﻻ يرضى أن يقوم له أصحابه رغم علو شأنه وفي ذلك رسالة.

تجدهم يغضبون على من تعدى عليهم أكثر ممن تعدى على حرمات الله، ويسترقون أتباعهم بالخدمة والعون على أن لهم فضﻻ عليهم... يقول الفاروق:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". ويشعرون بنقيصة في النفس إن لم يكنون بالشيخ أو اﻷستاذ أو الدكتور ...

ينزعون أن ترجع المشورة إليهم وأنهم أصحاب القرار اﻷصح فهم أصحاب الخبرة وﻻ يعلى عليهم، والله يأمر رسوله باﻷخذ بمشورة أصحابه رغم عظم قدراته العقلية:{وشاورهم في اﻷمر فإذا عزمت فتوكل على الله} فأمره بالمشورة رغم عصيانهم له في "أحد" بعدما أمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم فأين نحن من هذه الدروس؟!.

ودائما يفتخرون بإنجازاتهم وأنهم العاملون وغيرهم الخاملون... هكذا تقسيماتهم، ويمنون على أتباعهم بالهداية على أيديهم حفاظا على تعلي مكانتهم، فإن تقدموا عليهم بعلم أو فضل فيرجعون ذلك إليهم أنهم سبب في حصوله بإرشادهم وتوجيههم وإن كان افتراء، وكثيرا ما يمنون عليهم ولو بأبسط اﻷشياء، والله يقول:{ يا أيها الذين آمنوا ﻻ تبطلوا صدقاتكم بالمن واﻷذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس وﻻ يؤمن بالله واليوم اﻵخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا ﻻ يقدرون على شيء مما كسبوا والله ﻻ يهدي القوم الكافرين}.

إن أصابهم مصاب يفسرونه ابتﻻء ويستشهدون أن الله إذا أحب عبدا ابتﻻه، وإن أصيب غيرهم فنقمة وعقوبة ربما على مخالفتهم... فانظر كيف جرأتهم في كيف يصرفون قضاء الله؟!،

ويستدلون لتبرير أعمالهم بالاقتداء برسول الله فإن استدل غيرهم بذلك يجيبونه أين أنتم من رسول الله... فاعجب ﻹحﻻلهم وإحرامهم المتناقضين آن.
يشغفون لنيل الحبوة والاحترام وكأنهما هدفهم اﻷسمى من خﻻل دعوتهم وترتاح أنفسهم عند نيلها لذلك تستاء أنفسهم عند جفائها... ظل الشيطان والنفس المغررة ينتشﻻنهم من أهدافهم التي بدأت نبيلة صافية حتى زجا بهم إلى الغرور ثم التكبر شيئا فشيئا من حيث لم يحتسبوا بعدما رأوا من فتح الله ونصره ونوره ما رأوا... ولم يحسبوا أن الله مبتل عباده{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم ﻻ يفتنون}... ولم يكن نهج أصحابنا إﻻ مضاعفة العمل بعد البشارة مخافة المكر.

تجدهم كثيري الغيبة لنظرائهم للحط من قدرهم فتظل مكانتهم تتبوأ المنزلة العلية بﻻ منازع.

يحبون المدح حبا جما وإن كان من شيء لم يفعلوه وكثيرا ما ينسبون مرد الخير لهم والله يقول:{ﻻ تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فﻻ تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم}.

يتحدثون بلسان اﻷصفياء وكأنهم معصومون وليس عندهم ما يسمى بنقد الذات، والله يحذرنا من تزكية النفس، أوليس كل ابن آدم خطاء كما أفصح النبي - عليه السﻻم. وكثيرا ما يقعون في البهتان وسوء الظن والنميمة والغيبة... والمعاصي تجر بعضها بعضا، فإن واجهتهم بالدليل على أخطائهم يجيبون: كان القصد هو المصلحة و اﻹصﻻح... سبحان الله! أي إصﻻح هذا؟!...
فليعد هؤلاء إلى رشدهم وليحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا أمام الله... وليتذكروا وعيده: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}... فبسبب ذلك الداء تفرقت جماعات كانوا على قلب رجل واحد فأصبحوا بسببه شيعا، وليتذكروا أن ما غشيهم من الخير ما غشيهم إﻻ بفضل الله ومنته وتوفيقه، أفهكذا تقابل نعمته وفضله؟!، فوﻻه لما زكى من أحد وما توفق من أحد، ودعاء أهل الجنة صريح بذلك:{الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوﻻ أن هدانا الله}... يتبع 

✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي  

للنشر رحمكم الله



لمتابعة حلقات #حديث_الإثنين على مدونة #الأبجدية







(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)
الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: