حديث الإثنين | الحلقة 85 (القيادة من خلال حادثة الإسراء):
إنه من كرم التوفيق أن يلطف بنا الرحمن - جل جلاه - بتوافق سلسلة حديثنا مع مناسبة الإسراء؛ لنستجدي منها نموذجية حية واقعية لمن جعله الله أسوة حسنة للمسلمين في كل شيء: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا}.
* ولنطرح من خلال ذلك هذا السؤال:
ما الذي جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- صابرا محتسبا رغم ما ألمّ به من عقبات عضال في بداية دعوته، والتي استمرت على ثلاث عشرة سنة لتعترضه أشدها تأثيراً عليه؟ وهي:
1.موت زوجه خديجة التي كانت له الحضن الأمين.
2.موت عمه أبو طالب حصنه الحصين.
3.عصيان قريش و ثقيف لدعوته.
كما تعلمون أن للقيادة أركانا ثلاثة هي: "الرؤية، والأتباع، والتحفيز"، وقد تداولنا سابقاً أمر الرؤية -ولم تجف الصحف ولم ترفع الأقلام عنها بعد- واليوم نختم بها لننتقل إلى الركن الثاني.
إن الرؤية لها سر مخفي في لبِّها، وهو التحفيز فهي تحمل ركنا آخر للقيادة؛ فإنك عندما ترسم بمخيلة طموحك مكاناً يرفعك إلى سماء المجد والرفعة والعزة، سيصغر أمام تقدمك بها كل كبير، إذ همك الحصول على قصب الوصول، وهكذا مضى المصطفى في حياته حتى فتحت له الفتوحات الكبار ودانت له الجزيرة في أقل من ربع قرن، ففر الناس إليه أفواجا بعدما سار إليهم فرادا،
فلك أن تقارن: خلال 13 عاما في مكة أسلم سبعون، وفي عام الفتح أسلم عشرة آلآف، ثم بعدها بسنتين حج معه مئة ألف، فمن سبعين في 13 سنة إلى 10 آلآف في 8 سنين إلى 90 ألفا في عامين، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وهو ذكرى لمن يتعجلون نتيجة النصر، و للضعفاء الذين ينهار بنيانهم برشة ابتلاء.
إن ما ناله النبي الكريم، من رحلة الإسراء والمعراج هو تحفيز رباني، والتحفيز ركن للقيادة كما ذكرنا، وما زالت رؤيته - صلى الله عليه وسلم - قائمة ما قامت السماوات والأرض، لِأن يصل الدين الحنيف أرجاء المعمورة فلا يدع بيتا إلا وفيه مسلم، ولكن أهداف تحقيق تلك الرؤية واكتمالها يتغير من زمن إلى زمن ومن حال إلى حال، وذلك يقدره كل قائد دعوي، وهذا التقدير الذي تضمأ إليه الجهود الدعوية اليوم لفقرها من القادة الحقيقيين.
الخلاصة:
لا تنتظروا أن يبعث الله لكم الصديق أو الفاروق أو صلاح الدين أو ناصر بن مرشد أو على بعض الاعتقادات الاتكالية الخاطئة ظهور المهدي أو نزول المسيح، وإنما كن قائدا صديقا فاروقا مصلحا مرشدا دعويا على حجم ما آتاك الله من ملكات قيادية ومناصب.
واعلم أن الله سيسألك عما آتاك من منصب وقدرات ومهارات، فيم أنفقتها في الدعوة إليه؟ وما عملت بها لدينه؟ ومن يتول يستبدل الله عنه من هو خير منه غيرةً وقدرةً على التغيير إلى الأفضل.
أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
0 coment�rios: