حديث الإثنين | الحلقة 107(تكملة .. قصة حاج على شفير الحدود… ج5) التقى بصاحبيه الذين تعرّف عليهم بالساعة العاشرة والنصف صباحا في اليوم السابع من ذي الحجة، فأخذوا سيارة "إيكو" وكأنها(حصان طرواده)، وبما أن محفظة الوقت شحيحة، التزموا بقديد الزاد لكي لا تفلسهم الوجبات من بيس الوقت، فشروا الخبز والبطاطس والجبن عن غداء وعشاء ليومين، و قرروا عدم التوقف إلا لصلاة أو وقود، وأن يتناوبوا القيادة، فوصلوا مدينة… وهي تبعد عن مكة 800كم، وصلوها فجر اليوم الثامن، وفي أول محطة وقود التقوا برجل سعودي كريم أرشدهم هو وأولاده الصغار بطريق مكة بسيارته لمسافة 20كم، وكأنه مرسل لهم لتجنب الزحام والتيه، فأفاضوا عليه الثناء والدعاء.
وكانت الطريق سالكة دون كدر من نقاط التفتيش حتى وصلوا الميقات الأول ظهرا، فلم يجتازوه، ثم حاولوا بميقات آخر ولم يتجاوزوه، وظلوا كذلك تائهين حيارا حتى العصر، ثم اتخذوا طريقا آخرا لعلهم يجتازون به العقبات، واستعانوا بشخص يهديهم الطريق، وكان جريء و مغامر وكما يقال في الدارج (مسّقعه) فاوكلوا إليه مهمة القيادة لقلة الحيلة، وكان الطريق يبعد 150 كم عن مدخل لمكة، ومروا فيه بنقاط تفتيش بسلام رغم أن الكثيرين أُرجعوا، وعبرت بهم طروادة بأودية طينية عجيبة، و شعاب غريبة، و قرى نائية عقيرة، و مروا بها ببيوت حجرية، و من الغريب أنهم مروا بسيح قفار ممتدة البصر، عليه حصى بركاني كروي بين 10 و 15 كجم، لونه بني داكن يميل إلى السواد منثور كالتراب، لا يستطيع الماشي ولا الراكب أن يقطع منه بضعة أمتار إلا بمشقة، إلا بطريق معبّد من صنع الإنسان، وكأنهم في المريخ، مروا به وكانت عاصفة رعدية تتجه نحوهم بها صواعق تدب الأرض دبّا، ثم نزلوا عنها بمنحدرات سحيقة حتى وصلوا واديا بين جبال شاهقة، وفي نهاية الانحدار تجاوزوا نقطة تفتيش بسلام في دقيقة كان المفتشون يتبادلون الدوام، ولو تواعدوا عليها لاختلفوا ولكن توفيق الله حالفهم، وكان سائقهم (المسّقعة) يتجاوز بهم في وسط المنحدرات وكأنه في سباق مرثون حتى ظنوا أنهم واقعون في الهلاك إن نجوا مما نجوا منه. وفي آخر الوادي التقوا بآخر نقطة تفتيش وهي الأهم، فإن عبروها وصلوا بها مكة، ولكنها كانت أكثر تشددا عن سالفاتها، فكانت بها ثلاث دوريات، والكثير من العساكر… اقتربوا منها بوجل فمصيرهم مرهون بمزاجيتها، التزموا دورهم في التفتيش… نظر إليهم العسكري وطلب هوياتهم، فأخرجوها له، وطلب من السايق هويته، ولكنه قد نساها مع أخيه، فأمرهم العسكري بالرجوع… هنالك انسدت أمامهم السبل واسودت الآمال، فبعد كل تلك المغامرات المستغلضة يكون مصيرهم الرجوع. أخذوا هوياتهم ورجعوا مسافة 1 كلم.
تحركت في سائقهم (السّقعة) مرة أخرى و بدون فسح مجال للنقاش التفّ بهم بطريق ترابي عبر الوادي، فأدخلهم في غاباته الملتوية بالأشجار، وجرجرهم فوق حصواته، وكانت الحصوات تتسابق لقرع بطن السيارة، وهم كاللؤلؤة المخضوضة في علبة تونة… وفجأة وجدوا أنفسهم وسط حضيرة جمال، و وجدوا الطريق مسدود وأخذ منهم الخوف مأخذه من عاقبة الحال أن ينكشف أمرهم المتسرع فيكون مصيرهم بالسجن، فرجعوا من حيث دخلوا. وأحاط بهم وجل مظلم و سغب أدم وأمل وجم، فلا هم وسط أهلهم آمنين في بلدهم، ولا هم ماضين في حجهم، وطريق العودة غائر غير منته و مجحف للسكينة، مستغش للأمل، مستقطب للعلل. هنالك غلّقت الأبواب وصفدت الدروع من ورائها… إلا بابا واحدا هو باب الله جل جلاله… ففي برهة خشوع رفع يديه إلى رافع السماء بلا عمد، وتلا قوله تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وقال بعدها لرفاقه هيا بنا نعبر نقطة التفتيش، وعقدوا النية معه و عزموا الأمر بحول الله وقدرته، و انطلقوا بروح المتيقن و مروا بالدورية الأولى بسلام ثم الثانية بسلام ثم مروا بنقطة التفتيش، فإذا بجموع العسكر ينكشون عن موقعهم إلى جنب، تاركين هؤلاء يمرون بسلام، وكذا مروا بالدورية الثالثة بسلام حتى وصلوا مكة دون كلام، بحمد الله و فتحه وتوفيقه ولطفه، و كانت تلك ليلة التاسع، فتركوا طروادة عند جبل النور، ليعسكروا عند مخيمات منى عند الساعة العاشرة والنصف مساء، ليستقبلوا عرفات باليوم التالي، والله ولي المتوكلين...
وكانت الطريق سالكة دون كدر من نقاط التفتيش حتى وصلوا الميقات الأول ظهرا، فلم يجتازوه، ثم حاولوا بميقات آخر ولم يتجاوزوه، وظلوا كذلك تائهين حيارا حتى العصر، ثم اتخذوا طريقا آخرا لعلهم يجتازون به العقبات، واستعانوا بشخص يهديهم الطريق، وكان جريء و مغامر وكما يقال في الدارج (مسّقعه) فاوكلوا إليه مهمة القيادة لقلة الحيلة، وكان الطريق يبعد 150 كم عن مدخل لمكة، ومروا فيه بنقاط تفتيش بسلام رغم أن الكثيرين أُرجعوا، وعبرت بهم طروادة بأودية طينية عجيبة، و شعاب غريبة، و قرى نائية عقيرة، و مروا بها ببيوت حجرية، و من الغريب أنهم مروا بسيح قفار ممتدة البصر، عليه حصى بركاني كروي بين 10 و 15 كجم، لونه بني داكن يميل إلى السواد منثور كالتراب، لا يستطيع الماشي ولا الراكب أن يقطع منه بضعة أمتار إلا بمشقة، إلا بطريق معبّد من صنع الإنسان، وكأنهم في المريخ، مروا به وكانت عاصفة رعدية تتجه نحوهم بها صواعق تدب الأرض دبّا، ثم نزلوا عنها بمنحدرات سحيقة حتى وصلوا واديا بين جبال شاهقة، وفي نهاية الانحدار تجاوزوا نقطة تفتيش بسلام في دقيقة كان المفتشون يتبادلون الدوام، ولو تواعدوا عليها لاختلفوا ولكن توفيق الله حالفهم، وكان سائقهم (المسّقعة) يتجاوز بهم في وسط المنحدرات وكأنه في سباق مرثون حتى ظنوا أنهم واقعون في الهلاك إن نجوا مما نجوا منه. وفي آخر الوادي التقوا بآخر نقطة تفتيش وهي الأهم، فإن عبروها وصلوا بها مكة، ولكنها كانت أكثر تشددا عن سالفاتها، فكانت بها ثلاث دوريات، والكثير من العساكر… اقتربوا منها بوجل فمصيرهم مرهون بمزاجيتها، التزموا دورهم في التفتيش… نظر إليهم العسكري وطلب هوياتهم، فأخرجوها له، وطلب من السايق هويته، ولكنه قد نساها مع أخيه، فأمرهم العسكري بالرجوع… هنالك انسدت أمامهم السبل واسودت الآمال، فبعد كل تلك المغامرات المستغلضة يكون مصيرهم الرجوع. أخذوا هوياتهم ورجعوا مسافة 1 كلم.
تحركت في سائقهم (السّقعة) مرة أخرى و بدون فسح مجال للنقاش التفّ بهم بطريق ترابي عبر الوادي، فأدخلهم في غاباته الملتوية بالأشجار، وجرجرهم فوق حصواته، وكانت الحصوات تتسابق لقرع بطن السيارة، وهم كاللؤلؤة المخضوضة في علبة تونة… وفجأة وجدوا أنفسهم وسط حضيرة جمال، و وجدوا الطريق مسدود وأخذ منهم الخوف مأخذه من عاقبة الحال أن ينكشف أمرهم المتسرع فيكون مصيرهم بالسجن، فرجعوا من حيث دخلوا. وأحاط بهم وجل مظلم و سغب أدم وأمل وجم، فلا هم وسط أهلهم آمنين في بلدهم، ولا هم ماضين في حجهم، وطريق العودة غائر غير منته و مجحف للسكينة، مستغش للأمل، مستقطب للعلل. هنالك غلّقت الأبواب وصفدت الدروع من ورائها… إلا بابا واحدا هو باب الله جل جلاله… ففي برهة خشوع رفع يديه إلى رافع السماء بلا عمد، وتلا قوله تعالى:{ومن يتوكل على الله فهو حسبه}، وقال بعدها لرفاقه هيا بنا نعبر نقطة التفتيش، وعقدوا النية معه و عزموا الأمر بحول الله وقدرته، و انطلقوا بروح المتيقن و مروا بالدورية الأولى بسلام ثم الثانية بسلام ثم مروا بنقطة التفتيش، فإذا بجموع العسكر ينكشون عن موقعهم إلى جنب، تاركين هؤلاء يمرون بسلام، وكذا مروا بالدورية الثالثة بسلام حتى وصلوا مكة دون كلام، بحمد الله و فتحه وتوفيقه ولطفه، و كانت تلك ليلة التاسع، فتركوا طروادة عند جبل النور، ليعسكروا عند مخيمات منى عند الساعة العاشرة والنصف مساء، ليستقبلوا عرفات باليوم التالي، والله ولي المتوكلين...
بقلم | أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
0 coment�rios: