الاثنين، 26 أكتوبر 2015

حديث الإثنين| الحلقة 104 (قصة حاج على شفير الحدود 2 ):

حديث الإثنين| الحلقة 104 (قصة حاج على شفير الحدود):
… وأثناء عودته للحافلة وجد  شخصا يلتف حوله الناس، قالوا إنه مبعوث سفير بلدهم في الدولة التي هم فيها؛ وقد جاء لإحصاء عدد الناس والحافلات ونقلها للسفير .. فتفاءل الناس به خيرا لعل الفرج بيده، فكض نفسه بينهم وأخبره بعددهم، ولكن عندما تبين أمره أيقن أنه لن يفعل شيئا، فليس الاختصاص اختصاصه، إلا أنها تهدئة للنفوس المشتعلة حنقا. 
حديث الإثنين| الحلقة 104 (قصة حاج على شفير الحدود):
  وجد رفاقه يستعدون للذهاب للإفطار، فأشار إليهم ليذهبوا بدونه، فظن أحدهم أنه مصطد عن الأكل - غير راغب فيه - قلقا من سوء المصير، فعزم عليه جاهدا أن يرافقهم، ولكن الحلوى المستعرة في بطنه كانت الحائل دونه.
  وبما أنه يوم الأحد، أول يوم يبدأ في العمل الإسبوعي، قرروا الانتظار إلى الظهيرة لعلها تأتيهم بقرار نتيجة الضجة الإعلامية التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعية، فكان الجواب لا جواب، ثم قرروا مجتمعين الانتظار حتى المغرب فيحاولوا دخول الحدود ثانية..  وأثناء انتظاره معهم، وجد أشخاصا يعرفهم، فمنهم كان هناك منذ الجمعة بل بعضهم منذ الخميس بل منذ الأربعاء، أي منذ خمسة أيام، وأخبروه أن قوافلا قفلت راجعة بخفي حنين.
ورأى أعينا تفيض بالدمع حزنا لمنعهم من الحج، كان يقاوم عينيه من النظر إلى شغف أجفانهم المرتعشة، وتجاعيد جباههم المتموجة، كان يسمع أنين بكائهم من قعر أفئدتهم، وكان يرى أكف حسراتهم وهي تلطم خدود آمالهم، فقاومت عيناه كل ذلك لينقل مشاهدهم المتوهجة من كلية الحدث.  حاول بعض الموجودين تحريض الناس للاعتصام عند بوابة الحدود، ولكنه فشل لخوف الناس من تبعات قد لا تحمد عقباها. و سمع بعضهم يشير بالتوجه إلى نائب رئيس الدولة المجاورة يستنجدونه، فصدهم أن في ذلك تقليل لولي أمرهم ولا يليق بمقامه، فاصبروا على ما أنتم عليه، فإما # الفرج، # وإما العودة مع صون الأدب والاحترام...
  ثم قرروا أن يصلوا صلاة الحاجة، فاجتمع الأغلبية للصلاة، ثم قام أحدهم بالدعاء.. وبعد خروجه من المسجد وجد رجلا غضبا، يتساءل عن صلاة الحاجة هل هي مشروعة؟ ، فأجابه: لا، ولكننا صلينا ركعتي ضحى ثم دعونا للحاجة. 
وعند العصر التقى برجل عليه وقار وهيبة، فعرّفه عليه أحدهم  إنه الدكتور(… )، أجاب الدكتور بكل تواضع:  لا داعي للرسميات.
  ثم عرفه بنفسه، ثم تبادلا الحديث الشيق لقرابة ساعة وهما وافقان، فكان تخصصه أصول الدين، وكان بحثه للدكتوراة عن جهود الإمام السالمي السياسية بين التنظير والتطبيق...أخذها من الجامعة الإسلامية من ماليزيا، وكان له بذرة الدور في المؤتمر الذي أقامته ماليزيا في التعريف بالمذهب الإباضي وعلمائه.
  كما أن له علاقات مع دكاترة أكاديميين من أوروبا واليابان في التعريف بعمان و دينها الإسلامي.
ورغم ذلك أدهش أنه ما زال يدرس في  مدرسة ثانوية، فتساءل في حيرة: ألا تجعل من علمك أكثر صدى بالالتحاق بجامعة أو كلية؟
  فأجاب الدكتور: التدريس شرف كبير، ولا يدرك ذلك أي أحد، فأنا ما زلت مدرسا، وأحب أن أكون بجوار عائلتي ، فإن احتاجت لي في شيء فأنا بجوارها.
  وكان يتمتع بروح الفكاهة، وقد وقف معه متحملا حرارة الشمس وثرى الريح المتناثر الذي يحرق العين لحديثه الثري، ثم طلب أن يرشده إلى بحث للدكتوراة، فوافقت إشارته  إلى موضوع كان يدغدغ فكره منذ زمن.
>>ومن أخلاقه لم يستأذن عن الحوار حتى طلب منه ذلك، رغم أنه كان مستعجلا.
عموما غابت الشمس و أفل معها كل حلم، قفا راجعا مع رفاقه، وبصحبتهم نساء تفيض عواطفهم أنهرا من البكاء الصامت، آلمه كثيرا حالهم وحالهن، فكان يترصد حدائق أعينهم الذابلة بعين مرهفة الأسف، فرأى شرود أذهانهم بعدما يئسوا من انفراج المصير.
حتى أنه كان يقول لأحدهم شيئا فلم يجبه لشرود ذهنه، فكرر عليه القول مرات بدون فائدة، فقط نظر إليه وذهب.
* كان يتساءل من يدفع ثمن تلك العبرات؟
* ومن كان يساوم على عواطف الناس بلا مسؤولية؟
* ومن يتحمل خزي القلوب المكلومة؟
* هل جشع بعض المقاولين الرسميين؟ أم جرأة المقاولين الوهميين؟ أم القوانين المحتاجة إلى نظر، حاجة باتت عاجلة؟.
♢☆ كان من ضمن الحجيج شاب أنهى البكلوريوس لتوه، يكاد يوفر ألف ريال له ولأمه لمقاول يسّر التكاليف إلى خمس مئة ريال للحاج الواحد مع تحمل جميع النفقات من مأكل و سكنى و نقل، فأين ذلك من الكسب المغبن الفاحش للجشعين؟!، فرجع الغلام وأمه بلا فائدة، فكيف سيوفران ألفين آخرين لمقاول رسمي؟!، إلا بعد سنوات، فلربما عاشت أمه أم لم يبق لها حد للاستطاعة الجسدية. عموما اتضحت له من تلك التجربة ظاهرة لم تكن معهودة من قبل فما هي؟
… يُتبع           
تابعونا في الحلقة القادمة
 
بقلم | أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: