الاثنين، 29 أغسطس 2016

حديث الاثنين | الحلقة 147 (يوسف العزيز -7- ما وقع فيه الدعاة)
حديث الاثنين | الحلقة 147 (يوسف العزيز (7)... ما وقع فيه الدعاة)
مما تحزن له النفس وتتأسى له أنك تجد (بعض) الدعاة: يدعون الناس إلى الخير وهم متلبسون بخﻻفه، إذ يعظونهم عن أمور ربما كثير منها داخل في باب الاحتياط أو مما يتسع فيه الخﻻف، فيما تجدهم متلبسون بكبائر ﻻ خﻻف في حرمتها وهي عند الله عظيمة، ومن أكبرها ((التكبر)) وهو نابع من (الرياء والحقد والغيبة والغرور والعجب...) كما حددها اﻹمام أبوحامد الغزالي في اﻹحياء، وهي أمراض قلبية لو عرضت على الناس لما قبلوا دعوتهم، يقول الله تعالى :{إن السمع والبصر و(الفؤاد) كل أولئك كان عنه مسؤﻻ}، وﻻ ينجو من هذه اﻷمراض إﻻ القلة من خاصة الله كما ذكر ذلك اﻹمام الثميني في النيل. 

والمصيبة أن داء التكبر ﻻ يشين لب بل يتوسع ليشق صفوف اﻷخوة كما فعل بأبناء يعقوب -عليه السلام-، فكم من دعاة كانوا على وحدة فتفرقوا، فنتج عن تفرقهم اضمحلال الدعوة وتشتت بعض أتباعها وتأخر تقدمها.


حديث الاثنين | الحلقة 147 (يوسف العزيز (7)... ما وقع فيه الدعاة)

 لقد أوقعهم في شرك الفتنة والتواطئ فنخر البيت الدعوي من داخله وأصبحت كل فرقة تدعي الحق لنفسها وتتهم اﻷخرى بالنفاق والفسق والفتنة وسوء الظن ، فوجهت أسهم الدعوة في نحورهم بدل نحور الفتن، حتى توسعت دائرتها وعادت الدعوة يتيمة تجر خطامها إلى مربعها اﻷول أو أنكل.

وإذا نظرنا إلى أسباب ذلك نجد أن بذور الفرقة منشؤها مرض خطير هو كما ذكرت (التكبر) وإشارته من قول أبناء يعقوب:{ونحن عصبة}.
ومن أعراض مرض التكبر عند هؤﻻء الدعاة:
أنهم ﻻ يسمعون نصيحة فيرون أنفسهم أنهم أهل النصح الذين ﻻ يخطأون أبدا، أولم يقل الله -عز وجل-: {وتواصوا بالحق} ولم يقل (وصوا)؛ فالتواصي على وزن المفاعلة بين الأطراف فالكل يأخذ النصح ويعطي، بينما (وصوا) على وزن فعل؛ فطرف يعطي وطرف يأخذ، وليس هذا في بشيء في الدعوة.

كما أنهم ينظرون إلى من خالفهم في الرأي بازدراء أو عداوة فيستعدونه. يزاحمون إخوانهم في المناصب الدعوية بأقدميتهم فتظل الدعوة في خمول وتأخر فتحقص بذلك عن التجديد. و يتفاخرون بإقبال الناس لهم ومكانتهم الاجتماعية التي كسبوها من عدة خطب أو دروس أو غيرهما، فتجدهم يتقدمون مجالس الناس فيستنكفون الجلوس عند آخر المجلس. ويتعقبون زﻻت نظرائهم ففيها فرص للحط من قدرهم، فيرفعون أنفسهم فوقهم. ويسعون لكسب مكانة في القلوب، ويتضجرون إن لم يجدوا عندهم قبوﻻ ﻷنفسهم... والنبي يحذر قائﻻ:(من سره أن يرى الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار)، وكان -صلى الله عليه وسلم- ﻻ يرضى أن يقوم له أصحابه رغم علو شأنه وفي ذلك رسالة.

تجدهم يغضبون على من تعدى عليهم أكثر ممن تعدى على حرمات الله، ويسترقون أتباعهم بالخدمة والعون على أن لهم فضﻻ عليهم... يقول الفاروق:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". ويشعرون بنقيصة في النفس إن لم يكنون بالشيخ أو اﻷستاذ أو الدكتور ...

ينزعون أن ترجع المشورة إليهم وأنهم أصحاب القرار اﻷصح فهم أصحاب الخبرة وﻻ يعلى عليهم، والله يأمر رسوله باﻷخذ بمشورة أصحابه رغم عظم قدراته العقلية:{وشاورهم في اﻷمر فإذا عزمت فتوكل على الله} فأمره بالمشورة رغم عصيانهم له في "أحد" بعدما أمره أن يعفو عنهم ويستغفر لهم فأين نحن من هذه الدروس؟!.

ودائما يفتخرون بإنجازاتهم وأنهم العاملون وغيرهم الخاملون... هكذا تقسيماتهم، ويمنون على أتباعهم بالهداية على أيديهم حفاظا على تعلي مكانتهم، فإن تقدموا عليهم بعلم أو فضل فيرجعون ذلك إليهم أنهم سبب في حصوله بإرشادهم وتوجيههم وإن كان افتراء، وكثيرا ما يمنون عليهم ولو بأبسط اﻷشياء، والله يقول:{ يا أيها الذين آمنوا ﻻ تبطلوا صدقاتكم بالمن واﻷذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس وﻻ يؤمن بالله واليوم اﻵخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا ﻻ يقدرون على شيء مما كسبوا والله ﻻ يهدي القوم الكافرين}.

إن أصابهم مصاب يفسرونه ابتﻻء ويستشهدون أن الله إذا أحب عبدا ابتﻻه، وإن أصيب غيرهم فنقمة وعقوبة ربما على مخالفتهم... فانظر كيف جرأتهم في كيف يصرفون قضاء الله؟!،

ويستدلون لتبرير أعمالهم بالاقتداء برسول الله فإن استدل غيرهم بذلك يجيبونه أين أنتم من رسول الله... فاعجب ﻹحﻻلهم وإحرامهم المتناقضين آن.
يشغفون لنيل الحبوة والاحترام وكأنهما هدفهم اﻷسمى من خﻻل دعوتهم وترتاح أنفسهم عند نيلها لذلك تستاء أنفسهم عند جفائها... ظل الشيطان والنفس المغررة ينتشﻻنهم من أهدافهم التي بدأت نبيلة صافية حتى زجا بهم إلى الغرور ثم التكبر شيئا فشيئا من حيث لم يحتسبوا بعدما رأوا من فتح الله ونصره ونوره ما رأوا... ولم يحسبوا أن الله مبتل عباده{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم ﻻ يفتنون}... ولم يكن نهج أصحابنا إﻻ مضاعفة العمل بعد البشارة مخافة المكر.

تجدهم كثيري الغيبة لنظرائهم للحط من قدرهم فتظل مكانتهم تتبوأ المنزلة العلية بﻻ منازع.

يحبون المدح حبا جما وإن كان من شيء لم يفعلوه وكثيرا ما ينسبون مرد الخير لهم والله يقول:{ﻻ تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فﻻ تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم}.

يتحدثون بلسان اﻷصفياء وكأنهم معصومون وليس عندهم ما يسمى بنقد الذات، والله يحذرنا من تزكية النفس، أوليس كل ابن آدم خطاء كما أفصح النبي - عليه السﻻم. وكثيرا ما يقعون في البهتان وسوء الظن والنميمة والغيبة... والمعاصي تجر بعضها بعضا، فإن واجهتهم بالدليل على أخطائهم يجيبون: كان القصد هو المصلحة و اﻹصﻻح... سبحان الله! أي إصﻻح هذا؟!...
فليعد هؤلاء إلى رشدهم وليحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا أمام الله... وليتذكروا وعيده: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}... فبسبب ذلك الداء تفرقت جماعات كانوا على قلب رجل واحد فأصبحوا بسببه شيعا، وليتذكروا أن ما غشيهم من الخير ما غشيهم إﻻ بفضل الله ومنته وتوفيقه، أفهكذا تقابل نعمته وفضله؟!، فوﻻه لما زكى من أحد وما توفق من أحد، ودعاء أهل الجنة صريح بذلك:{الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوﻻ أن هدانا الله}... يتبع 

✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي  

للنشر رحمكم الله



لمتابعة حلقات #حديث_الإثنين على مدونة #الأبجدية







(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)

الاثنين، 22 أغسطس 2016

حديث الاثنين | الحلقة 146 (يوسف العزيز-6- ونحن عصبة)
حديث الاثنين | الحلقة 146 (يوسف العزيز-6- ونحن عصبة)كلمة استعلاء متخمة باﻷنا، يستخدمها من استعرت نفسه بدائها وقل من حجر عنها إﻻ اﻷخص من رحمة الله.
يقولون: أنا من قبيلة كذا ليس كفﻻن... أنا درجتي العلمية كذا ليس كفﻻن... أنا أسبق في الدعوة من فﻻن... رتبتي أعلى... أنا أغنى... أنا أقوى ... أنا أجمل...
فالبعض يستعلي بمنصبه المهني والبعض بمنصبه المجتمعي والبعض بمنصبه العلمي وهنالك الاستعلاء بالقوة وبالجمال وبالمال وباﻷتباع من تﻻمذة أو أقارب أو بنين واﻷقبح منها الاستعﻻء بالإلتزام الديني... وكلها أمراض نفسية و سيوف متكبرة يحارب بها جبروت الله وكبريائه وعظمته ومن يطيق بطشه وعذابه، فاستمعوا لما هدد به في حديثه القدسي :(الكبرياء إزاري والعظمة ردائي فمن نازعني فيهما قصمته)... وفي رواية:(ألقيته في النار وﻻ أبالي). 
حديث الاثنين | الحلقة 146 (يوسف العزيز-6- ونحن عصبة)

التواضع أطيب اﻷخﻻق وهي صفة اﻷنبياء وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أتباعه فكان يعلف الناضح ويعقل البعير ويقم البيت ويحلب الشاة ويخصف النعل ويأكل مع خادمه ويطحن عنه إذا غاب ويشتري الشيء من السوق وﻻ يمنعه الحياء من أن يعلقه بيده أو يجعله في طرف ثوبه، يصافح الغني والفقير والكبير والصغير ويسلم مبتدئا على كل من استقبله أسود أو أبيض، حر أو عبد من أهل الصﻻة ... وقد لخصت لنا السيدة عائشة خلقه مع جنوده فكان (متواضعا في غير ذل ومهابا في غير تكبر) فبذلك حافظ على محبته وطاعة أمره في آن.
فهذه عزة اﻹسﻻم وبها يقاس قادته فإن تواضعوا حفظ الدين وإن تكبروا أضاعوا الدين وضاعت دولهم وتأخرت أسماءهم أن تكتب في صفائح التاريخ المشرفة كما تأخر أبناء يعقوب فسبقهم بها من أرادوا به كيدا في تكبرهم حتى اعترفوا بعد فات ما فات:{تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين}.
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
🌹للنشر رحمكم الله🌹

لمتابعة حلقات حديث الانثين على مدونة الأبجدية
http://www.alabjadiah.net/search/label/حديث%20الأثنين?m=0?&max-results=6

🌴(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)🌴

الاثنين، 15 أغسطس 2016

حديث الاثنين | الحلقة 145 (يوسف العزيز-5-  قصة امرأة مع أخيها الميت)
حديث الاثنين | الحلقة 145 (يوسف العزيز-5-  قصة امرأة مع أخيها الميت)ذكرنا أن الغيبة سبب لافتراق اﻹخوة بل طريق سالك للكيد بينهم، وقس على مسمى الكيد ما شئت من مغبة كالقتل وغيره، فﻻ تزك نفسك أنك في مسلمة منها بسابق فضلك، فهاك أبناء يعقوب النبي وقعوا في فخاخها وأحاط بهم لهيبها رغم أنهم في مقام ينصبهم منبر القدوة الحسنة لمن دونهم، لكنهم أنزلوا أنفسهم منزلة العوام فصار منصبهم عائما، لذلك حذر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم - من أن يأتيه أصحابه يغتابون بعضهم بعضا؛ حتى يكون قلبه صاف سليما تجاههم، فكذلك ينبغي على كل قائد وكل مسؤول وأخ ... أن يكون، بأن يغلق أبواب الغيبة والوشايات في وجوه أصحابها الحمقى، فهو باب وخيم من الصعب إغلاقه.
حديث الاثنين | الحلقة 145 (يوسف العزيز-5-  قصة امرأة مع أخيها الميت)

مما مر علي شخصيا أن امرأة صالحة في غاية التقوى كان لها أخ توفي قبل فترة وجيزة، رأت عليه قبل مماته بأيام بياضا غريبا في وجهه، وفي ليلة وفاته كان بائتا معها في بيت زوجها ، فأصبح عليه الصبح وهو مفارق للحياة.
تأثرت المرأة لفقد أخيها الشاب الذي لم يتم دخوله على خطيبته، وبعد حزن داكن غيم على تأسيها عليه تمنت أن ترى رؤى صالحة تبشرها بمصير أخيها، غير أن بعض أهلها رأوه في حال تبدو خيرة. أما هي فقد حدث لها ما يفوق تصور العقل، إذ أنها كانت تتردد على زيارة قبره عدة مرات، ﻻحظت في مرة بعد وضع يدها على تراب قبره أن بها رائحة زكية لم تعهدها من قبل، فظنت أنها مجرد رائحة عابر، فأتت في اليوم التالي فوجد رائحة أخرى غير التي شمتها باﻷمس، ولكنها لم تستوعب حقيقة اﻷمر، فاصطحبت معها أختيها في اليوم الثالث، فوجدن روائح تفوق الخيال من زكاوتها، وكل يد وضعت على تراب قبره تحمل رائحة تختلف عن اﻷخرى.
تساءلت في ضبابية حيرتها عما رأت، فأجيبت أنك دعوت الله أن يريك رؤى تبشرك بمصير أخيك كما رآها بعص أهلك، بيد أن الله عز وجل أراك ما هو أكبر فعين يقينك رأت واقعا كان أحق بالتصديق من مجرد رؤية...

فسئلت عما كان يعمل أخوها حتى يكون حاله بهذا المصير الطيب، فأجابت أنه كان محافظا على الصﻻة وأضافت أنه كان ﻻ يغتاب أحدا، فقلبه صاف من حال الناس، وهو حال تكرر من حال حديث المبشر بالجنة في عصرنا.


✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي  

للنشر رحمكم الله


لمتابعة حلقات #حديث_الإثنين على مدونة #الأبجدية




(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)

الاثنين، 8 أغسطس 2016

حديث الاثنين | الحلقة 144 (يوسف العزيز-4- كيد الشيطان)
حديث الاثنين | الحلقة 144 (يوسف العزيز-4-)

حافظ النبي يعقوب -عليه السلام- على مستوى القرب بين أوﻻده، ولم يسمح بدخول أسباب التفاضل بينهم، وهو براء مما نسب إليه من تقصير في ذلك، فنحن نؤمن جزما أن الله يعلم أين يضع رسالته ونعتقد يقينا ﻻ مراء فيه باختياره الصفوة القدوة للناس، ولعلي أذكر أقوال العلماء في حق اﻷنبياء في قابل الحلقات. 

حديث الاثنين | الحلقة 144 (يوسف العزيز-4-)

ولكن في حديثنا نفتش عن: ما الذي أشعل جمر الكيد بين أولاد يعقوب؟، ودفع بإخوة من نسل أنبياء أن يزجوا بأخيهم الصبي في غياهب الجب عما قرروا فعله وهو القتل والطرح أرضا؟، كيف يتقد هذا الجرم الكبير من بيت النبوة؟.
الجواب يتعلق بقضية نراها صغيرة في طابعنا البشري لكنها كبيرة عند الله... هي (الغيبة)، فبها شحن سلبي لدى بطارية المتلقي، وفيها استعلاء على اﻵخرين للحط من قدرهم مما تفسح الساحة للتعلي، فينتج من ذلك سوء ظن بتفسير مجريات اﻷمور على غير مقاصدها أو ظواهرها، حتى يبلغ اﻷمر إلى تفسير الخير شرا.
قالوا وهم مجتمعون على مائدة الغيبة والبهتان وسوء الظن{ليوسف وأخوه} ثم تتالت تراكات الشحن فقالوا عنهما:{أحب إلى أبينا منا}، وهذا يكشف غايتهم من نيل الحبوة عند أبيهم، ومن تقصد الحبوة تمسك بتلابيب الرياء، ثم أتبعوا تلك الجنايات النفسية بما هو أكبر فقالوا:{ونحن عصبة} وهو التكبر والاستعلاء، و منشأ ذلك هو الغرور.
إذن الغيبة أدت إلى سوء الظن وتحريض اﻵخرين، ثم إلى الغرور ثم التكبر، مما أدى إلى تراكم الشحن طبق على طبق فانفجار القلوب بقسوتها وهي إن قست فالحجارة منها ألين.
إذن بالغيبة اتهموا أخاهم، وأخوهم ﻻ يدري وﻻ أبوهم ثم ساؤوا الظن ثم أطلقوا العقوبة ثم قاموا بتنفيذها وأخوهم ﻻ يدري بدون ترك فرصة للحوار والدفاع، فظل أخوهم في غفلة من ذلك كله حتى وجد نفسه محاطا به ففعل به ما فعل.
وهذا ما وقعت فيه أنفس المسلمين اليوم المتفكهة بالغيبة أينما حلوا، وباتوا بها يتنافسون من يقدم اﻷكثر عن أخيه فيبتون عاقبته... رغم تحذير أن الرسول من ذلك كان صريحا، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)

ومن المصيبة أن تفشى هذا المرض ليوقع ببعض الدعاة الذين ينتظر منهم تحذير الناس من همذا مصائب، فتشرذمت أواصرهم، وباتوا يتهمون بعضهم بالفسق والنفاق... ولقد امتحنت (بعض) القيادات الدعوية بالغرور لما بدت لهم بعض من مقدمات الفوز فضنوا أنهم حازوا على يقين النصر وحقه، فحازت عليهم أنفسهم فأصبحوا تبعا لها، فصدعت الدعوة من قبلهم فتمزق أتباعهم شيعا كل حزب بما لديهم فرحون بخسارتهم التي لم يدركوا أبعادها.
وكم من جماعات كان على قلب رجل فأمست بالغيبة شرذمات.

قد يقال أنه أمر صحي من ناحية بث روح التنافس؟ ولكن الفرقة أمر شيطاني والوحد أمر رباني، فإن كان لا بد من وقوع الفرقة، فﻻ بد من شروط:
1. التوبة إلى الله كما تاب أبناء يعقوب.
2.طلب المغفرة من الذين وقع عليهم الظلم كما طلبها أبناء يعقوب من أبيهم وأخيهم.
3.التنافس الدعوي يكون خالصا لله، ﻻ ﻷجل مباهاة اﻵخرين.
4.التوقف عن الغيبة، ﻷنها مقودة لكبائر تكبرها، ذلك وصفها القرآن بأبشع الصور {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه فكرهتموه}.

✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي  


للنشر رحمكم الله

لمتابعة حلقات #حديث_الإثنين على مدونة #الأبجدية



(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)

الاثنين، 1 أغسطس 2016

حديث الاثنين | الحلقة 143 (يوسف العزيز-3- الرؤيا الصادقة)
حديث الاثنين | الحلقة 143 (يوسف العزيز-3-)

لم يمنح نبي الله يعقوب - عليه السلام- نفسه لحظة للاستمتاع بفرحة البشرى لولده يوسف من رؤياه، أن بشر بالخير، فسارع إلى تحذيره من أن يبدي ذلك ﻹخوانه؛ مراعاة منه في تجنب أسباب الكيد بين أوﻻده {يا بني ﻻ تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}، والكيد منشأه المفاضلة وهي صيد خطير لشرك الشيطان وفخاخه. 
حديث الاثنين | الحلقة 143 (يوسف العزيز-3-)


فحديثنا اليوم ينصب في أمر (التفاضل) بين اﻷوﻻد من أوليائهم وكذا الطلبة من معلميهم والموظفين من مديريهم، والجنود من ضباطهم...، فالتفاضل يفضي إلى الضغينة والضغينة تفضي إلى العداوة والبغضاء وكلها مسببات للكيد، بينما يحقق العدل بينهم اﻷمن اﻷسري والوظيفي لقوله النبي للنعمان:(ألا تريد أن يكونوا لك في البر سواء) ذكر الحديث ﻻحقا.
ويتعدى الكيد النطاق التربوي إلى المجتمع، فيكون المفاضل عليه منتقما من ذلك المجتمع الذي رضي أن يحابا عليه غيره فتركه يعيش محروما متألما من ظلم وهجها.

طبعا ﻻ يكون هذا مبررا لانتهاك البر والوطنية إن كان المربون أو المسؤولون غير عادلين، فكل مطالب بتقوى الله تعالى وتجنب المعاداة، ولننتبه من أن عدم العدل سبب للعداوة لضعاف النفوس وفيه تقويض للخﻻيا النائمة.

إذن العدل واجب بين اﻷوﻻد ومن في مقامهم، وعدم العدل جور كما سماه النبي في حديث النعمان بن بشر لما أراد أن يشهد النبي- صلى الله عليه وسلم - على نحلة نحلها أحد أوﻻده(وهي بستان)، فسأله: أكل أوﻻدك نحلت له؟، أجاب: ﻻ. فقال له: ﻻ أشهد على جور.

والعدل يشمل الحنان كما يشمل المال، خصوصا في الجوانب الظاهرة المؤثرة، ويشمل اﻷبناء والبنات دون تفاضل بينهم.
ويرى بعض الفقهاء أن المساواة في عطايا المال تكون للذكر مثل حظ الأنثيين قياسا على الميراث، فيما يرى آخرون ومنم العلامة أحمد الخليلي أن للأنثى مثل حظ الذكر.

وينبغي التفريق في حال وجود النقص في أحدهم، فهنا المساواة تنافي العدل، كأن يكون أحد اﻷبناء فقيرا معدما أو به عاهة ﻻ تكون في إخوانه، فهؤلا بحاجة إلى مزيد من العطاء، ومن الظلم مساواتهم بإخوانهم المكتملين.

إذن نفيد من سيرة بيت النبوة العدل بين اﻷوﻻد، وهذا ما قام به قدوتنا يعقوب عليه السﻻم مع أوﻻده خﻻفا عمن يرى أنه أخطأ في ذلك، ونحن ننزه نبينا يعقوب عن الخطأ، وما حدث من أوﻻده الكبار لم يتسبب فيه ولكن كان كيدا من وساوس الشيطان ولما سولت له أنفسهم وسنوضح ذلك ﻻحقا، بحول الله.

✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي  


للنشر رحمكم الله

لمتابعة حلقات #حديث_الإثنين على مدونة #الأبجدية



(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)