الاثنين، 22 أغسطس 2011

الإعتكاف.. أسرار وحكم وفضائل


من الأشياء المهمة والجميلة في شهر الصيام والمتعلقة به الاعتكاف في العشر الأواخر من..
لما فيها مظنة لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.. وإن شاء المولى القدير سنفرد لهـــا صفحة خاصة لتبينها وتبين الفضل العظيم فيهـــا..
فيها بينا إخوتي وأخواتي -سد الله خطانا ووفقنا لمرضاة ربنا- إلى معاني الاعتكاف ولنتدارسها..

*******************************
أولاً: معنى الاعتكاف:
الإعتكاف في اللغة: مشتق من الفعل الثلاثي "عَكَفَ" بمعنى لبث أو أقام، وتدور معاني الإعتكاف حول: اللبث والمكوث واللزوم والحبس والقعود في مكان ما سواءً كان خيراً كان أم شراً، ومن الشواهد قوله تعالى { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (52) سورة الأنبياء، أى مقيمون متعبدون لها، والمقصود به هنا لزوم المسجد والإقامة فية بنية التقرب إلى الله عز و جل .
والإعتكاف شرعاً: حبس النفس في المسجد بنية العبادة بصفة مخصوصة.

*******************************
ثانيا: مشروعية الإعتكاف:
إن الإعتكاف في دين الله الإسلام مشروع بنصوص من الكتاب والسنة وعليه أجماع علماء الأمه:
1- من الكتاب(القرآن الكريم): قوله تعالى:{ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
2- من السنة:  فمِنْهَا القَوْليُّ ومِنْهَا العَمَليُّ، فمِنَ الأَوَّلِ قَوْلُ النَّبيِّ القَانِتِ الأَوَّابِ صلى الله عليه وسلم لبَعْضِ أَصْحَابِهِ: " مَنْ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ في الْعَشْرِ الأَوَاخِر"، وَمِنَ الثَّاني مُلازَمَتُهُ لِلاعْتِكَافِ كُلَّ عَامٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ الحيُّ القيوم.
3- وأجمع على مشروعيته إجمالا الصحابة والتابعون والعالمون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

*******************************
ثالثا: أقسام الإعتكاف:
اِعْلَمْ -أخِي الحبِيبَ، حبَّبَ اللهُ إِلَيكَ الاعْتِكَاف وزيَّنهُ في قَلبِكَ- أنَّ الاعْتِكَافَ في أَصْلِ الشَّرعِ مَطلُوبٌ وفِعْلُهُ لرَبِّنَا مَرْغُوبٌ؛ لفِعْلِ النَّبيِّ عليه الصلاة والسلام وأمْرِهِ بِهِ أصْحَابَهُ، فهوَ إِحدَى القُرَبِ للرَّبِّ عز وجل، إلا أنَّهُ مَعَ ذلكَ تدورُ عَليهِ أحكَامُ الشَّرعِ الخَمْسَةُ، فيكُونُ تارَةً:
أ- وَاجِبًا: وذَلكَ فيمَا إذَا أَوْجَبَهُ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بنَذْرٍ أو يمِينٍ فيَجِبُ الوَفاءُ بفِعْلِهِ، والتَّكفِيرُ بتَركِهِ؛ قالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ:" مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ".
ب- مُسْتَحَبًّا: في شَهرِ رَمضَانَ، ويُؤَكَّدُ في العَشرِ الأَوَاخِرِ منهُ تحرِّيًا لِلَيْلَةِ القَدْرِ، واقْتِدَاءً بالنَّبيِّ عليه الصلاة والسلام الذِي واظَبَ عَلَى الاعْتِكَافِ فِيهَا حَتى لاقَى رَبَّهُ جل وعلا.
ج- محَرَّمًا: في الأَيَّامِ التي يحرُمُ صِيَامُها ويجِبُ إفْطَارُها كيَومَي العِيدِ ويَومِ الشَّكِّ؛ لأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الاعْتِكَافِ الصِّيامَ.
‌د- مَكْرُوهًا: في الأيَّامِ الَّتي يُكرَهُ صِيَامُها ويفضَّل إفطَارُها، كأيَّامِ التَّشْرِيقِ ويومِ الجُمعَةِ مُنْفَرِدًا.
هـ- جَائِزًا: فيمَا عَدَا مَا سَلَفَ مِنْ أيَّامِ العَامِ، أمَّا القَولُ بِسُنِّيَّةِ الاعْتِكَافِ وندبيَّتِهِ في سَائِرِ أيَّامِ العَامِ فَـ" فِيْهِ نَظَرٌ" كمَا يقُولُ محدِّثُ العَصْرِ؛ نَظَرًا لأَنَّ النَّبيَّ عليه الصلاة والسلام لمْ يَعتَكِفْ في غَيرِ رَمَضَانَ -إِلا قَضَاءً- معَ كَثْرَةِ صِيَامِهِ في غَيرِهِ مِنَ الأيَّامِ ومُسَارَعَتِهِ إِلى مَوَاطِنِ الفَضْلِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بهَا

*******************************
رابعا: وقت الإعتكاف ومدته:
تعَلَّمْ -أخِي، أمَدَّ اللهُ عُمُرَكَ فِي الطَّاعَاتِ- أنَّ أفضَلَ الاعْتِكَافِ عَلَى الإِطْلاقِ هوَ الاعْتِكَافُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ التِمَاسًا لِلَيلَةِ القَدْرِ، فقَدْ لازَمَ النَّبيُّ e الاعْتِكَافَ فِيهَا وأمَرَ أصْحَابَهُ بها فَقَالَ: " مَنِ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ في العَشْرِ الأوَاخِرِ"، إلا أنَّ الظُّرُوفَ قدْ لا تُوَاتي بَاغِيَ الخَيرِ ليَعْتَكِفَ جميعَ العَشْرِ، فَلا يُمْنَعُ مِنْ أنْ يَعتَكِفَ يَومًا أو أيَّامًا ولَيَاليَ، ويَكُونُ دُخُولُهُ وخُرُوجُهُ حَسَبَ الآتِيْ:
الدُّخُولُ: إذَا أرَادَ العَابِدُ أنْ يعْتكِفَ يَومًا فلْيَدْخُلْ قَبلَ طلُوعِ الفَجْرِ، وإِذَا أرَادَ أنْ يَعتَكِفَ يَومًا ولَيلةً فلْيَدْخُلْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمسِ، ومَنْ أرَادَ أنْ يَعتَكِفَ أَيَّامًا فلْيَدْخُلْ قبلَ غُرُوبِ الشَّمسِ -أيضًا-.
أمَّا الخُرُوجُ: فيَكُونُ بعْدَ غُرُوبِ شمْسِ آخِرِ يَومٍ مِنِ اعْتِكَافِهِ مُبَاشَرةً، سَوَاءً مَنِ اعْتَكَفَ يَومًا أو أيَّامًا لا فَرقَ بَينَهُم؛ إذْ لا يَصِحُّ اعْتِكَافُ اللَّيلِ وَحْدَهُ لِعَدَمِ وقُوعِ الصِّيَامِ الشَّرعِيِّ فِيهِ، واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
} فَائِدَةٌ{: اختَلَفَ العُلمَاءُ في أَقَلِّ الاعْتِكَافِ الشَّرعِيِّ، فقيلَ: سَاعَةٌ مِنَ النَّهَارِ، وقِيلَ: يَومٌ وَلَيْلَةٌ، وقِيلَ: بلْ أقلُّهُ يومٌ، أيْ نهَارٌ واحِدٌ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى غُرُوبِ شمسِ ذَلِكَ النَّهَارِ، وهَذَا الرَّأيُ أهْدَى مِنَ الأَوَّلِ سَبِيلاً، وعَلَيهِ الأَكثَرُونَ؛ لأَنَّ الاعْتِكَافَ مشْرُوطٌ لهُ الصِّيَامُ، وظَرْفُ الصِّيَامِ الزَّمَانيُّ هوَ كَامِلُ النَّهَارِ.
يقُولُ العَلاَّمةُ القَنُّوبيُّ -متَّعَنا اللهُ بحيَاتِهِ-: " الرَّأيُ المشْهُورُ الشَّائِعُ الذَّائِعُ الصَّحِيحُ الرَّاجِِحُ أنَّ أَقلَّ الاعْتِكَافِ يَومٌ، أي أنْ يكُونَ في المسْجِدِ قَبلَ طُلُوعِ الفَجْرِ ولَوْ بِثَوَانٍ، ويَخرُجَ بعْدَ أنْ يَتَأكَّدَ مِنْ أنَّ الشَّمسَ قَدْ غَربَتْ".

*******************************
سادسا:شروط الإعتكاف:
تَفَقَّهْ -يَا رَعَاكَ اللهُ، ووَفَّقَكَ لتَمَامِ طَاعَتِهِ وتَقْوَاهُ- أنَّ للاعْتِكَافِ شَرْطَ قَبولٍ عندَ اللهِ -كَغَيرِهِ مِنَ العِبَادَاتِ- وشَرْطُ قَبُولِهِ التَّقْوَى؛ لِقَولِهِ تعَالى: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ المائدة: ٢٧.
وللاعْتِكَافِ -أيضًا- شَرائِطُ لا بُدَّ منْهَا لِصِحَّتِهِ، والَّتي هيَ: الإسْلامُ، والنِّيةُ، والعَقْلُ والتَّمْيِيزُ، والصِّيامُ، والطَّهَارَةُ مِنَ الحَدَثِ الأَكْبرِ، والْتِزَامُ المسْجِدِ.. ولِكُلِّ إجمَالٍ بيَانٌ، فَهَاكَ بيانَهُ مختَصَرًا مُفِيدًا:
أوَّلاً/ الإسْلامُ: وهوَ الشَّرطُ الأوَّلُ لصِحَّةِ الأعْمَالِ، فَلا يَقبَلُ اللهُ مِنْ مُشرِكٍ ظَلَمَ نَفْسَهُ عَمَلاً، ولا يُرجَى لهُ في الآخِرَةِ فَوزًا؛ قَالَ تَعَالى:}إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه{ النساء: ٤٨، 116، و عز وجل: }وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{آل عمران: ٨٥، واللهُ المستعانُ.
ثانيًا/ النِّيَّةُ: لأنَّ الاعْتِكَافَ مِنَ العِبَادَاتِ الَّتي لا تُعْقَلُ عِلَّتُهَا أو فِيهَا بَعضُ الجَوانِبِ التَّعبُّدِيَّةِ التي لا يُعقَلُ مَعنَاهَا، ومِنَ المُتقَرِّرِ لدَى علَمَاءِ الشَّرِيعَةِ أنَّ النِّيةَ شَرطٌ في صِحَّةِ العِبَادَاتِ غَيرِ مَعْقُولَةِ المعْنى؛ لأَنَّ المُرَادَ منْهَا -أوَّلاً- محْضُ التَّعَبُّدِ للهِ تعالى.
ثالثًا/ العَقْلُ والتَّمْيِيزُ: فالمجنُونُ والمعتُوهُ والصَّبيُّ غَيرُ الممَيِّزِ والسَّكْرَانُ لا تَصِحُّ منهُ العِبَادَةُ وتُعَدُّ في حقِّهِ مُلغَاةً شَرعًا؛ لأَنَّهُ لا يُدرِكُ مَاهِيَّةَ العِبَادَةِ -الاعْتِكَافِ مثلاً-، ومَا هِيَ أعْمَالُهَا المطلُوبَةُ ومحظُورَاتُهَا الممْنُوعَةُ.. فالتَّميِيزُ يَتحَقَّقُ فيمَنْ يَفهَمُ الخِطَابَ ويَستطِيعُ الجَوابَ ويَفقَهُ مَعْنى العِبَادَةِ، وعلَيهِ فمَعَ فُقدَانِ العَقْلِ والتَّمْيِيزِ يتَعذَّرُ تحقُّقُ النِّيةِ المطلُوبَةِ في العِبَادَةِ شَرْعًا.
رابعًا/ الصِّيَامُ: الصَّومُ مَشرُوطٌ لِصِحَّةِ الاعْتِكَافِ عَلَى قَولِ جمهُورِ أَهْلِ العِلْمِ، وعَلَى المُعْتمَد عندَ العَالِمَينِ الخَلِيْلِيِّ والقَنُّوبيِّ -حفظَهمُ اللهُ-؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالى لم يَذكُرِ الاعْتِكَافَ في كِتَابِهِ إلا مَقْرُونًا بِالصِّيَامِ } ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ { البقرة: ١٨٧ وذلكَ يُؤذِنُ بِشَرطيَّتِهِ، ومِنْ جِهَةٍ أُخْرى فقَدْ جَاءَ النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام مُشَرِّعًا مِنْ عِندِ اللهِ سبحانه وتعالى، ومُبيِّنًا لنَا مجمَلاتِ النُّصُوصِ بقَولِهِ وفِعْلِهِ، ومِنْ فعلِهِ عليه الصلاة والسلام أنَّهُ لم يعْتَكِفْ إلا صَائِمًا حَتى في قَضَائِهِ بعْدَ شَهرِ رَمَضَانَ.
يقُولُ المفْتي العَامُّ للسَّلطَنَةِ -أبقَاهُ اللهُ-: " الاعْتِكَافُ لا بُدَّ فِيهِ مِنَ الصِّيامِ عَلَى القَولِ الصَّحِيحِ، وهُوَ القَولُ الذِي نَأخُذُ بِهِ"، ويقُولُ الشَّيخُ القنُّوبيُّ -حفظَهُ الموْلى I-: " ولَكِنَّ القَولَ المشْهُورَ المنْصُورَ عِندَهُمْ هُوَ اشْتِرَاطُ الصَّومِ لِصِحَّةِ الاعْتِكَافِ".
خَامِسًا/ الإمْسَاكُ عَنِ الجِمَاعِ ومُقَدِّماتِهِ: لَيْلاً أو نهَارًا لقَولِهِ تَعَالى:}وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ{ البقرة: ١٨٧، والانحِبَاسُ لِلطَّاعَةِ والتَّفَرُّغُ للْعِبَادَةِ يَتنَافى ومَقَارَبةَ الشَّهْوةِ فضْلاً عَنْ مُواقَعَتِهَا، يقُولُ الحَافِظُ القَنُّوبيُّ: " وأمَّا الوَطْءُ فهوَ مِنَ الـمَحْظُوراتِ الـمُتّفَقِ عَلَيهَا، وهُوَ مِنَ الأُمُورِ التي تَتَنَافَى مَعَ الاعْتِكَافِ جُمْلَةً وتَفْصِيلا"، واللهُ المستعانُ.
سَادِسًا/ الطَّهَارَةُ مِنَ الحَدَثِ الأَكْبرِ: فلا يَصِحُّ ابتدَاءُ الاعْتِكَافِ مِنَ الجنُبِ ولا مِنَ الحَائِضِ ولا مِنَ النُّفَسَاءِ عَلَى المُعْتَمَد؛ لأنَّ الاعْتِكَافَ لا يكُونُ إلا مَعَ الصِّيَامِ -كما تقدَّمَ-، والصِّيامُ يتَنَافى والحدَثَ الأكَبرَ بَلِ الحَائِضُ والنُّفَسَاءُ يَحرُمُ عَلَيهِمَا الصِّيَامُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
ومِنْ جِهَةٍ أُخْرى فَإِنَّ الاعْتِكَافَ لا يكُونُ إِلا في المسْجِدِ -كمَا سَيَأتي-، والجُنُبُ والحَائِضُ والنُّفَسَاءُ كلُّهُم مَنهيُّونَ عَنِ المُكْثِ في المسْجِدِ؛ قَالَ تَعَالى:} وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ { النساء: ٤٣.

*******************************
سابعا: أركان الإعتكاف :
وهو الشَّرْطُ الأَسَاسِيُّ في الاعْتِكَافِ بَلْ هُوَ الرُّكْنُ الذِي لا بُدَّ مِنهُ فيهِ؛ لأَنَّهُ بِلا مُكْثٍ والْتِزَامٍ لا يُسَمَّى اعْتِكَافًا، وقدْ نَصَّ الكِتَابُ العَزِيزُ أيضًا عَلَى أَنَّ هَذَا المكْثَ يكُونُ في المسَاجِدِ؛ قَالَ تَعَالى:} وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ{ البقرة: ١٨٧، وبَيَّنَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بفِعْلِهِ، إذْ لم يَعتَكِفْ إلا في مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ صلى الله عليه وسلم..
وفي هَذَا المقَامِ مَسَائِلُ، فَأيقِظِ العَزمَ إنْ نامَتْ لوَاحِظُهُ:
}المَسْأَلَةُ الأُوْلى{: الاعْتِكَافُ يَصِحُّ في أيِّ مَسْجِدٍ تُقَامُ فيهِ الجَمَاعَةُ عَلَى مَذْهَبِ الجمْهُورِ أهْلِ العِلْمِ، وهوَ الذِي عَلَيهِ العَمَلُ، خِلافًا لمنْ ضَيَّقَ وقَصَرَ جَوازَهُ عَلَى أَحَدِ المسَاجِدِ الثَّلاثَةِ: المسْجِدِ الحَرَامِ، والمسْجِدِ النَّبَوِيِّ، والمسْجِدِ الأَقْصَى؛ "يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا".
}المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ{: لا يُشْتَرَطُ في مَسْجِدِ الاعْتِكَافِ أنْ تُقامَ فيهِ صَلاةُ الجُمُعَةِ علَى المُعْتمَد مَا دَامَتْ تُقَامُ فيهِ صَلاةُ الجَمَاعَةِ، وإنْ كَانَ مَسْجِدُ الجُمُعَةِ أَوْلى وأفضَلَ، فإِنْ لمْ يَكُنْ فلْيَخرُجِ المعْتَكِفُ مجِيبًا نِدَاءَ الصَّلاةِ مِنْ يَومِ الجُمُعَةِ ويُصَلِّي هُنَالِكَ الجُمُعَةَ ثم يَعُودُ إِلى مُعْتَكَفِهِ فَوْرًا.
}المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ{: اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أنَّ المسْجِدَ هوَ محلُّ الاعْتِكَافِ المشْرُوعِ بِنَصِّ القُرآنِ الكَرِيمِ، واخْتَلَفُوا في جَوازِ اعْتِكَافِ المرْأَةِ في مُصَلَّى بَيتِهَا، فِقِيلَ: بصِحَّتِهِ، وهيَ رُخْصَةٌ مِنْ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ، وقيلَ: بعَدَمِ مَشرُوعِيَّتِهِ، وهُوَ الأَسْعَدُ بالنَّصِّ القُرآني والإقِرَارِ النَّبَوِيِّ لأُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ-، فَقَدْ كُنَّ يَعْتَكِفْنَ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ مَعَ اتِّصَالِ حُجْرَاتهنَّ بِالمسْجِدِ، وبَقِينَ عَلَى ذلِكَ بعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَوْ كانَ في ذَلكَ رُخْصَةٌ لرَخَّصَ لهنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَعتَكِفْنَ كُلٌّ في حُجُرتِهَا، أفَادَهُ شَيخَا زمَانهمَا أبُو خَلِيلٍ الخَلِيْلِيُّ وأبو عَبدِ الرَّحمنِ القَنُّوبيُّ -حفظهمُ اللهُ-، وعَلَيهِ جمهُورُ عُلَمَاءِ الأمَّةِ.
ولكِنْ معَ ذلكَ فَلا تُمنَعُ المرأةُ مِنْ أنْ تَلتَزِمَ محرَابًا في بَيتِها تَتَعَبَّدُ فِيهِ سَاعَاتِهَا وتَتَحَنَّثُ فيهِ خَلَواتِهَا مِنْ غَيرِ أنْ يُعْطَى حُكْمَ المعْتَكَفِ } وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً { النساء: ١٢٤.
}تَنْبِيْهٌ{: لا بُدَّ أنْ يَكُونَ مَوْضِعُ اعْتِكَافِ المرأَةِ مِنَ المسْجِدِ سَاتِرًا لهَا عَنِ الرِّجَالِ صَوتًا وصُورَةً، بحيْثُ لا يُسْمَعُ لهَا فِيهِ صَوتٌ ولا يُرَى لهَا وَجْهٌ، أو يَكُونَ في مُصَلَّى النِّساءِ التَّابِعِ للمَسْجِدِ، وهَذَا أَولى بَلْ هُوَ الوَاجِبُ إنْ وُجِدَ.

*******************************
ثامنا: مباحات الإعتكاف:
اعلَمْ -يَا بَارَكَ اللهُ في أعْمَالِكَ ومَسَاعِيكَ- أنَّ الأصْلَ في المُعْتَكِفِ أنْ يمكُثَ مُدَّةَ اعتِكَافِهِ في المسْجِدِ للعبَادَةِ وحْدَهَا، مُكْثِرًا الصَّلاةَ، ومُلازِمًا ألْوَانَ الذِّكْرِ مِن اسْتغْفَارٍ وتَسْبِيحٍ وتحْمِيدٍ وتهلْيلٍ وقِرَاءَةٍ للقُرآنِ الكَرِيمِ.. إلا أنَّ لَهُ مِنْ هَذهِ السَّاعَاتِ سَاعَاتٍ يُباحُ لهُ فيهَا غَيرُها مِنَ المبَاحَاتِ والضَّرورَاتِ، والتي مِنْهَا:
‌أ- المنَامُ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ بقَدرِ مَا يَتَقَوَّى المعْتَكِفُ عَلَى الطَّاعَةِ والقِيَامِ.
ب- القِيَامُ بِالوَعْظِ والإرْشَادِ، والتّعْلِيْمِ والتّعلُّمِ، والإفَادَةِ والاسْتِفَادَةِ، وقِرَاءَةِ كُتُبِ العِلْمِ الشَّرعِيِّ مِنْ تَفْسِيرٍ وحَدِيثٍ وعَقِيدَةٍ وفِقْهٍ..
ج- التَّطَيُّبُ والتَّنَظُّفُ والتَّسَوُّكُ والاغْتِسَالُ؛ قِيَاسًا عَلَى تَسْرِيحِ الشَّعْرِ فقَدْ كَانَتْ أمُّ المؤْمِنِينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تُرَجِّلُ شَعْرَ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام وَهِيَ حَائِضٌ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ.
د- الحَدِيثُ اليَسِيرُ فيمَا لا بَأْسَ بِهِ مِنْ مصْلَحَةِ الإنْسَانِ؛ لحَدِيثِ السَّيِّدَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي" أي ليُشَيِّعني.
‌ه- الخُرُوجُ مِنْ مَكَانِ الاعْتِكَافِ لحَاجَةٍ أو عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، ومِنْ هَذِهِ الأَعْذَارِ مَا يَأتي:
- الخُرُوجُ بِسَبَبِ المرَضِ.
- الخُرُوجُ لِصَلاةِ الجُمُعَةِ إذَا لمْ تُقَم في المعتَكَفِ.
- الخُرُوجُ للأَكْلِ والشُّربِ إنْ لم يجِدْ مَن يُحْضِرُهُ إِلى مُعتَكَفِهِ.
- الخُرُوجُ لقَضَاءِ حَاجَةِ الإنسَانِ الطَّبيعِيَّةِ، وهَذَا بإِجمَاعِ العُلَمَاءِ، ولابُدَّ.
- الخُرُوجُ للاغْتِسَالِ وطَلَبِ الماءِ السَّاخِنِ أو البَارِدِ إذَا لم يَتَوَفَّرْ بالمسْجِدِ.
- خُرُوجُ المرْأَةِ مِنَ المُعتَكَفِ لطُرُوءِ الحَيضِ أوِ النِّفَاسِ حَتى تَطْهُرَ وتَبْني عَلَى مَا مَضَى.


*******************************
تاسعا: مفسدات الإعتكاف:
تفقَّهْ -أخِي المعْتَكِفَ الحَرِيصَ، عصَمَكَ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ ومِنَ الفَسَادِ في العَمَلِ- أنَّ لشَعيرةِ الاعْتِكَافِ جملَةَ مُفْسِدَاتٍ تتَنافى مَعَ أعْمَالِهِ وتَعُودُ عَلَيهِ بالبُطْلانِ مِنْ أصْلِهِ، فكُنْ لما أقُولُ حَاذِرًا:
‌أ- الرِّدَّةُ.
‌ب- الاستِمْنَاءُ.
‌ج- حَيضُ المرأَةِ أو نِفَاسُها.
‌د- ارْتِكَابُ كَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.
‌ه- الخُرُوجُ مِنَ المعْتَكَفِ لغَيرِ ضَرُورةٍ أو حَاجَةٍ مُلِحَّةٍ.
‌و- فسَادُ صَومِ المُعتَكِفِ؛ لأَنَّهُ مُشتَرَطٌ للاعْتِكَافِ، وإذَا فَسَدَ الشَّرطُ فَسَدَ المشْرُوطُ لَهُ.
‌ز- الاشْتِغَالُ في المعْتَكَفِ بِغَيرِ أعْمَالِ الاعْتِكَافِ، كَالاشْتِغَالِ بالبَيعِ والشِّرَاءِ والأحَادِيثِ الدُّنيَويَّةِ.
‌ح- الجِمَاعُ ومقدِّمَاتُهُ، ولَوْ في اللَّيلِ إجمَاعًا؛ لِقَولِهِ تعَالى: } وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ { البقرة: ١٨٧.



*******************************
عاشرا: ما يستحب للمعتكف أن يفعله:
يستحب للمعتكف ان يُكثر من نوافل العبادات، و يشغل نفسة بالصلاه وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار والصلاه والسلام على النبى صلى الله عليه و سلم والدعاء ونحوذلك من الطاعات والعبادات التى تقرب العبد من ربه عز و جل، ويمكنه ايضاً القرائة فى كتب التفسير او الحديث وغيرها أوالجلوس فى حلق الذكر والعلم ويستحب له ان يأخذ صحن فى المسجد اقتداء بالنبى صلى الله عليه و سلم، ويُكره له ان يشغل نفسة بشىء غير العبادات والطاعة مثل الكلام فى غير المفيد أو العمل فى شىء غير الطاعات و يُكره له الامساك عن الكلام ظناُ له ان ذلك يقربه من الله عز و جل، فقد روى البخارى و ابن ماجة و ابو داود عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه و سلم قال : بينما النبى صلى الله عليه و سلم يخطب، إذا هو برجل قائم فسأل عنه، , فقالوا : أبو اسرائيل، نذر أن يقوم و لا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم و يصوم، فقال النبى صلى الله عليه و سلم (( مُره فليتكلم و ليستظل وليقعد ولُيتم صومة )) وروى ابو داود عن على رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه و سلم قال: (( لا يُتم بعد احتلام و لاصُمات يوم إلى الليل )) .

 أتمنى أن يحبب إلينا الإعتكاف وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا ويختم بالصالحات أعمالنا
منقول بتصريف للفائدة..

الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: