السبت، 12 أبريل 2014

الحلقة 28 : ماهية العمل الدعوي

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
أعزائي القراءة المتابعيين لكتاباتي إليكم الحلقة رقم (28) من سلسلة مقاﻻتي المسماة (حديث الاثنين):

يظن البعض وﻻ أدري منبع ظنه أن الدعوة لله مجرد تبرع خيري، ﻻ تحمل أي شدقة نظامية ناسفا بذلك القاعدة الأصولية: ما ﻻ يقوم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب هنا النصيحة إذ الدين برمته قائم عليها؛ وعليه نجد التبعثر الواضح في العمل الدعوي مجردا من الأهداف والرؤى والقيادة الواقعية والإدارة المنضبطة، فضلا عن الهزل العاطفي، ومن ذاك تأتي دفعات حماسية غير مدروسة سرعان ما تنطفئ إما بفوز يرى الداعية أنه بلغ المجد وما بعده إﻻ التقاعد وطلب إرجاع الحقوق له من احترام وخدمة ومكانة، وإما بامتحان بسيط يجمد غليانه، أو تنتج همجية لها أسياط تقول للمدعوين اشربوا وإﻻ العصى، وكلها على فاتورة الدعوة نفسها، فهل يصح أن دعوة الله جل جلاله رب المرسلين ورب محمد أن تحط إلى هذا المستوى من العبث والسخرية؟!. طبعا إﻻ من رحم نفسه فرحمه ربه.
لعمر الله إن الدعوة نظام مؤسسي محض، شأنه شأن أي مؤسسة نظامية سواء إنتاجية أو خدمية، فإن اقتنع الدعاة بهذه الحقيقة لما تطاول سفيه على مسلم في عرضه أو دمه أو ماله، وإن وعي الدعاة هذه الحقيقة لما تطاول الضعفاء بالنيل من سيدنا عليه الصلاة والسلام، وإن وعى الدعاة هذا لما تسربل اليهود من بين أنامل ضعفنا على القدس والمستضعفين، ولما ظهر مفسدون بمجتمعنا المحافظ في غالبه يخدشون حياءه بأضافر جهلهم مستغلين التشرذم الدعوي وهزل دعاته الذين مهدوا طرقا بكسلهم ﻻنتشار دائرة الران.
وليسمحني القراء الأعزاء إن كنت انتقلت بفكركم قليلا من منطقة السفح السهل لما يشاهد فيه من أضغاث إلى التل العالي لنرى من بعد أبعاد نهر الحياة وفلسفته. فالحياة نهر واقع بين ضفتي الخير والشر، فمن سارع منهما في بناء سد منيع فاض النهر على الضفة اﻷخرى بالغرق، وما وراء السد إﻻ الزرع المغذي.
الله خلق الكون بنظام، وسار رسله معمرين بنظام، وﻻبد للدعاة نظام، ويغذي ذلك النظام المجتمع وإن تعددت أطيافه، فعلى المسلم الصدقة وعلى غيره مثيلتها، فالكل مسؤل بالخطاب الوضعي عن دفع الشر ثم جلب الخير.
دعوني أعيد عبارتي من جديد وبطريقة أخرى(العمل الدعوي هو العمل المؤسسي تماما، والفرق بينهما خيط رفيع هو أن الدعوة ﻻ تقبل تقاعدا)، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان داعيا لله حتى فراش موته، وكذا كان وراثه الدعاة، فهذه سنة الله في دعوته التي تعهد بنصرة مجتهديها ﻻ المنهزمين. فالدعوة لن تستقيم بغوغائية، وعلى جميع المسلمين والمسلمات أن يكون دعاة خير سواء في بيوتهم أو أعمالهم أو مجتمعهم، سواء في حضرهم أو سفرهم.
نعم تتمخض الدعاة أمواج من الثوران لتتمحص منها الرجال، رجال الله، فإن الذهب الخالص يصفى بالغليان:
ولـكن أخو هم إذا ما ترجحت **** له ثورة نحو العلى صار يدأب    
نفى النوم عن عينيه نفس أبية **** لها بين أطراف الأسنة مطلب.     
 وهنا نستحضر قول الله تعالى مواساة للممتحنين: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله أﻻ إن نصر الله قريب} نعم أﻻ إن نصر الله قريب ولكن بمفتاحي الصبر والإيمان،  وفي آية أخرى{حتى استيأس الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا} أي شارفوا على اليأس من مدى صبرهم. أﻻ إن نصر الله قريب لمن آمن وصبر.
مع تحياتي: أبو عبدالرحمن سامي بن محمد بن  حامد السيابي
الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: