حديث الإثنين | الحلقة 168 ( نقد الذات -2 - العُجب)
تحدثت الحلقة الفارطة عن العجب، وهو زهو النفس بما تعمل، أو زهوها بما لم تعمل وهذا أشد... وكان الهدف من ذكر العجب وضع حد لتفشيه بين الناس لا سيما فيمن نرى فيهم علامات الصلاح ظاهرا، فهذه النزوة من العلل القلبية التي يقل المتعافون منها إلا الموفقين كما أعرب عن ذلك الإمام الثويني صاحب النيل.
لكن التنبيه والحذر من هذه العلة لا يعني خمد النور في مستهل انشعاله ولا رد السالك عن بلوغ مقصده… إنما هو إماطة أذية على الطريق وظيفتها عرقلة السير وقهقرة الوصول... إذ لا يقبل من متعلم أن ينضوي بعلمه في الأدراج فلا ينتفع به الآخرون بحجة الخوف من الوقوع في العجب، ولا يقبل من داعية أن يزهد بزكاة فضله عن فاقة الناس… والزاهاد بعلمه وفضله هو والجاهل سيان في خندق الخذلان.
والمتعفف عن عمل الخير بحجة العجب أو الخوف سيان هو والجريء بخرابه، لأنه ترك لغير الكفاءة منبرا كان ليزع به إلى الصلاح ودفع الفساد.
إن هذا لمن التعفف المذموم الذي أتاح فرصا لأهل الضلال أن ينشروا سمومهم في مرأى من بصيرته التي باتت محدودة.
المسؤولية تنادي بملء فيها أن الناس بحاجة إلى من يقودهم ويرشدهم ويفقههم وييسر لهم ذلك.
دعوة الله بحاجة إلى المتعلمين المخلصين والدعاة الأوفياء خريجي الكليات العلوم الشرعية والمعاهد الإسلامية كي يقوموا بدورهم في إصلاح المجتمع والأفراد والمنظمات… بحاجة إلى تغيير الكتب القديمة إلى كتب حديثة تحمل لغة العصر وتذلل المعنى إلى الناشئة قبل أن يتعقدوا من مطولاتها وألفاظها الجزلة… الدعوة بحاجة إلى دمج معالم السيرة النبوية مع احتياجات الناس واستلهام الحكم منها بدل السرد… الدعوة بحاجة إلى دروس وخطب تلامس شغاف الملهوف… الدعوة بحاجة إلى خطاب يبشر ولا ينفر، يحبب ويرغب ولا يهدد او يبطش… الدعوة بحاجة إلى اندماج وذوبان حجاب بين الداعي والمدعو، بدل الاختمار بزهد التوحد… الدعوة بحاجة إلى منهجية حديثة توقض الفكر… الدعوة بحاجة إلى رصد دائم للظواهر والعادات وتوجيهها بلغة الجذب والحب... الدعوة بحاج إلى رحمة تحتضن العاصين والمسيئين وتقرب النائين إلى حضيرة الصالحين… الدعوة بحاجة إلى فؤاد أب تنتشل الزهور رويدا من أضافر الحرمان… فأين وظيفة الخريجين طلبة العلم، لماذا باتت كراسيهم على أعشاش العناكب وتقفز من فوقها الجرذان…. لماذا لا نراهم إلا في مناسبة الأعراس والندبات…
لماذا لا نرى حسهم في وسائل التواصل الاجتماعي المنوعة إلا بمشاركات خجولة لا ترتقي إلى المأمول؟
أكل ذلك تخلقا بالزهد و ابتعادا عن العجب أم خوفا من المراء أو تحمل المسؤولية؟
لماذا لا نرى حسهم في وسائل التواصل الاجتماعي المنوعة إلا بمشاركات خجولة لا ترتقي إلى المأمول؟
أكل ذلك تخلقا بالزهد و ابتعادا عن العجب أم خوفا من المراء أو تحمل المسؤولية؟
إننا في صدد دعاة قليل منهم مجتهدون وكثير منهم اتخذوا الكسل مخدعا، والتجارة مفزعا، وسربوا المسؤولية الدعوية من أصابع ضعفهم، وقليل منهم مخلصون.
إننا في صدد متعلمين خامدين ودعاة متقهقرين، تنتزع منهم صدقة العلم والدعوة انتزاعا، لو عددت المتعلمين من خريجي العلوم الشرعية لما حصرتهم، ولئن بحثت عن مخلصهم ومبادرهم والقائم بواجبه الدعوي والتدريس والمحاضرات والخطب والتأليف والتعليم بالمراكز الصيفية و… لوجدت من المئة اثنان أو ثلاثة ولا مبالغة… فهل نرجوا رحمة من الله وبات النصح مدسوساً تحت الشراشف والمخاد، والأخلاق والقيم تتخطف من حولنا يوما بعد يوم وأهل المفاسد يستغلون ثغرات الضعف فيغزوننا من قبلها، أليس هذا التراجع والانهزام مساهمة للفساد بالانتشار وتفشي الجهل والانحلال…
أين هم من قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(33) فصلت.
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي.
0 coment�rios: