الجمعة، 29 أغسطس 2014

الحلقة 46 (جنية الطوي):

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حديث الاثنين يتجدد معكم في حلقته 46 والتي تحمل نوعاً ما عنوان يذكرك بقصص الرعب ولكن يا ترى ما سبب اختيار الكاتب لهذا العنوان(جنية الطوي):                           
عندما كانت اﻷم الغربية تهدي ولدها مجهرا يكتشف به أسرار الحياة ليبدع في مستقبله، كانت اﻷم الشرقية تهدي طفلها قصص السحرة والجن؛ ليندرس مستقبله في وهم الخوف والجبن والتيه. 

عندما كنت غلاما اتفقت وصديق لي أن نستمتع بليلة نسمر فيها بحنيذ دجاجة مع العصير والخبز في وادي قريتنا(وادي منصح)، وبعد أن تركنا حوريتنا تتمخطر على شرر النار وتعوب على دخان السعف، بدأت أحاديث السمر تتزاحم بحرارتها على أعواد الشوق وكان كل عود يولع اﻵخر قبل أن ينطفئ.
وفجأة غير مرتقبة انفجر صياح  طفل من بطن طوي(بئر) تبعد عنا مئتي متر وسط غابات النخيل، ثم يعقبه صهيل امرأة مدو ممتد وكأنه رعد يخرج من صدرها على آذاننا من الرهب، هنالك جفت دماؤنا في عروقها واختبأت اﻷنفاس بلا أين، و وقفت شعور جلودنا وقفة سلام التعظيم، فإنك إن جرحت أحدنا لم تجد قطرة دم.
قال صاحبي في همس مدقع: "ما هذا؟" فأجبته: "لقد ولدت اﻵن، نعم، الجنية ولدت، اللهم صلي على محمد". 
قلتها و أشواك التلعثم تتقلب في حنجرتي كلعبة الجنباز.
قال: وما بال الدجاجة؟ قلت: نضجت. رغم أن الثلج ما زال عائم على صدرها كعوم الفراش على المصباح، فانتشلناها من دفئها وهي تثعب دما إذ الحكمة تصرخ في أذاننا المردمة ألا جلوس فوق نمل حالنا الملتهب وإﻻ سيزداد لدغه جمرا، وكما يقال(الهروب نصف المرجلة) ولكن ترجح لدينا أن الهروب أخذ المرجلة كلها إذ عويل قصص الجدات ما زالت تستعوي كمائنها في ذاكرتنا الﻻ إرادية. واسينا أنفسنا بقصة يكررها وهم الأجداد، أن رجﻻ كان يسقي بالليل فإذا به يسمع صياح طفل حديث الوﻻدة فقام يدعو له فوجد صجرجة جولة(إناء فيه ثريد الخبز اللين مضروب بالعسل) على غيل الفلج، فقمنا بما قام به ولم نجد على غيل الوادي .... سوى نقيق الضفادع.
أكلنا نصف الدجاجة فالخوف مصغ أكبادنا وشربنا حساء العصير وتركنا اليتيمة مغلفة ببطانية اﻷلمنيوم فوق الرماد، وقفلنا أدراجنا راجعين لتقطع أجنحتنا إعصار النخيل السوداء. وفي وسط الغابة نازعتنا ثورة الشباب على تعاسة الخوف المتراكة، فقررنا قرارا تاريخيا لم تسبق إليه البشرية، وظننا أنه ﻻ ينبغي ﻷحد بعدنا مع اعتذارنا الشديد لنبي الله سليمان من فضول نزعتنا الملتهبة.
قررنا أن نرى الجنية، نعم نراها لنكشف للناس وﻷنفسنا كوم الغموض الذي يلف أذهاننا.
فكانت الخطة أن نقترب من جنية الطوي ما أمكن مختبئين خلف سواتر اﻷشجار ثم نصلت الضوء في وجهها لنرى حقيقته ثم نهرب، وكان عندي بجلي كهربائي( مصباح) من قوته يخرق بطون الجبال.
سرينا على إثر مرمانا و ورائنا الخوف جلاميد تتدحرج قارعته كالزلزال، وعندما اقتربنا من الهدف وفي هدوء يسبق العاصفة فتحت الضوء على وجهها فانطلق مهرولا يكشف لنا مناجم اﻷسرار ومخابئ اﻷغوار  ... فإذا ... هي .... واقفة... تنظر نحونا.... شكلها... ﻻ ... غير معقول....إنها.... تشبه... ﻻ ... ليس كذلك... إنها................ إنها بنجالي الشايب خميس حارنا إنها محمد حسين. كيف ذلك ومن أين تلك الأصوات؟ هل أخطأنا الهدف؟... يا حسين مو سوي منيه؟، فأجاب: أنا في يسقي مشان أرباب" طيب ولكن أين الجنية يا حسين؟ وين تشيكو صغير؟. فأجاب: ما في جني مني ... عجيب! ما كل هذا؟!. فأخبرنا حقيقة ما حدث، أنه كان يستمع لمسجل من زوجته التي ولدت قبل مدة في بنجلاديش وكان ما سمعناه(جهاز مسجل) تسجيلا لصوت صياح طفله الرضيع ثم صوت زوجته الذي يأن على غربة زوجها الحبيب محمد حسين.              
صمتنا في غضب ولسان حالنا يقول: الله يصرف يا محمد حسين نقشت جرحا سببه ضلال اﻷجداد.
هنالك انطفأت المصابيح الحمراء في أفئدتنا ثم المصابيح البرتغالية ثم الصفراء وعادت لنا اﻷنفاس التائهة، ورجعنا لنكمل سمرنا ونأكل نصف الدجاجة المتبقي فإذا بالسنور قد سبقنا إليها وكفانا ذلك العناء. من هنا أقول كفانا وهم وكفانا خيال فلنطوي تلك الصفحات البائسة ولنبدأ حياة حقيقية جادة مشرقة تلبسنا ثوب العلم وثوب الشجاعة الموزونة.
أبو عبدالرحمن سامي بن محمد بن حامد السيابي.



الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: