الثلاثاء، 29 يوليو 2014

الحلقة 43 (الحرية في العبودية):

الحديث في حلقتنا برقم 43  عــــن (الحرية في العبودية):
في ليلة تلتحف ببردة شجية، يقترب بخياله رويدا وهو مغترب من المدينة، ومن أطلال الثنية يرى مصابيح وما هي بمصابيح تتجسد من أجفان النوافذ وأهداب الشرفات، قليﻻ و تصيخ أذناه على دبيب نحل وما هي بنحل، لكنها ألسن السبحات تتوقد من ثنايا العرشان وقبب السجدات لمدينة تساوى ليلها بنهارها.
يتفقد فيأ أنوارهم المنتثر عن اليمن و الشمال سيدهم، وهو ثاويا بينهم يمشي على بساط قيامهم لينثر بين حنايهم مسك رضاه عما حببهم فيه فتشدقت له أسرجة اﻷرواح وهي تسرج بين دفتيها مصابيح القيام.                            فإذا به يمر على امرأة يلهج لسانها بــ {هل أتاك حديث الغاشية؟... هل أتاك حديث الغاشية؟...} فتضطرب ركبتاه عن المشي غير قليل فانثنى رأسه الشريف على عمود بدمعه المنسال مجيبا (نعم أتاني... نعم أتاني...) وليس لمدمعه باب يطرق حتى تستأذن مزنه الرعدية عن الانحدار، فريشة من ذكر اﻵخرة كفيلة بالانهمار.
يعود إلى بيته مطمئن البال على حال أمته التي تعض بتمسكها على أغصان سننه وتوقد من أعواد أحشائها أنوارا لهديه... نعم يعود لبيته المتواضع حيث الطين صرحه وحجرته الصغيرة كل ما فيه وسجادته السعفية أغلى ما فيه من متاع، عاد من جولته التفقدية ليتم صﻻة ﻻ روافد لها من خلج الوجدان تسهب سكناته فيها ﻻمتداد القيام حتى تتورم القدمان ثم تسهب حتى تتمزق اﻷدمة من التورم، لكن الجسد في عنان إن الروح في اطمئنان، فالصﻻة مخدعه فهي مخدة قلبه وهي ديباج روحه و موال الخفقان. تثور حبيبته من نومها منتفضة لحاله المشفق "أترهق نفسك وقد غفرالله لك" فيجيب (أفﻻ أكون عبدا شكورا) فقيامه المرهق ذاك إذن ﻷجل شكر من اختاره سيدا للثقلين وخاتما للنبيين ورحمة للعالمين الذي قدمه أمام كل مقدم ورفعه فوق كل رفيع.
فمن مطلق العبودية لله التي بلغت أوجهها صار سيدا مقدما رفيعا شامخا ومن تلك السيادة والرفعة والتقديم صار (((حراً)))، وصار أتباعه قادة اﻷحرار؛ ﻷنهم ترفعوا عن عبادة الناس إلى عبادة رب الناس وترفعوا عن وثنية الكراسي و وثنية السلطات و وثنية الرتب والدرجات و وثنية كل الشهوات، ارتفعوا فوق بساطها ولم ترتفع هي فوق رؤوسهم، فحكموا ذاتهم وأحوالهم بضمائرهم الربانية وعقولهم الفقهية وسجاياهم السوية.         
فلنحيي ليالي العشر عابدين لله أحرارا للذات فإنما الحرية تحت سجاد الخشوع... عسى الله أن يرحمنا ويغفر لنا ويعتقنا ويجمعنا في جنته.
أبوعبد الرحمن سامي بن محمد بن حامد السيابي




الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: