الجمعة، 29 أغسطس 2014

الحلقة 48 (سم اﻷفعى..وأصعب ليلة في حياتي)

حديث الاثنين في الحلقة 48 تحمل معاناة الكاتب وليلته التي يعتبها الأصعب ولما لا وهو يتعرض لأخطر أنوا الحيوانات المميتة على سطح الأرض..
أترككم مع الحلقة والتي بعنوان (سم اﻷفعى ... وأصعب ليلة في حياتي):
كنت راجعا من صلاة الفجر يصطحبني عبدالرحمن فقلت له انتظر أخاك المختار يصلي السنة، كانت عربة اﻷقدار تزفني إلى أمر قد قدر، فلما دنوت قرب باب البيت الذي انطفأ مصباحه سابقا وكان رداء الظلام مسدول اﻷطراف على غشاء الغبش فجأة كز قدمي شيء ما، كزة وكأن مسمارا محمى بالنار ثقبها.                                

لم أر شيئا فهرعت إلى ضوء المصباح الداخلي فوجدت مفاجأة غير مرتقبة، وجدت أثر نقطتين سوداوين في مكان اﻷلم ... فترجح لدي أنها لدغة أفعى. بحثت بالمصباح اليدوي وقد وصل ولداي ليبحثا معي عن أثرها دون جدوى.
قررت فورا الذهاب للمشفى دون تأخر فالسم في سباق مع الدم، قال عبدالرحمن:سأمضي برفقتك يا أبي. قوله أثلج صدري أن نفسه دلته على ذلك وهو بسن العاشرة، فأجبته أني سأقيم.
تمهلت بسرعة السيارة دون الحد المطلوب حتى دنوت من الطوارئ واﻷلم تكبر كرته كلما تدحرجت الدقائق على منحدرات الزمن، أوقفت سيارتي بعيدا عن مدخل الطوارئ فلعل أحدهم أحوج بالوقوف أمامه مني. ولكني مشيت وقدمي تخط اﻷرض لتورمها رغم استنزافي نصف ساعة من ساعة العضة. 
تلقتني أيادي اﻷطباء وطواقمهم برفق و عناية، وبدأت تتزاحم على جسدي أنابيب الفحوصات وكأنها أفاع ملتفة تحاصرني، ومنها ما يحمل في طرفها رأسا كرأس اﻷفعى يعضون بها إصبعي للفحص فضﻻ عن كزات اﻹبر الﻻ متناهية لفحوصات التخثر والسيلان، ثم زف سريري إلى العناية المباشرة جنب رجل مقيم يلقب (بالغول). كانت أشباحها المزعجة المضحكة تطاردني ولم يكن لدي ما يشاغلني وينتشلني من ضوضائها. فقلت أقرأ رسائل الواتساب فإذا بكتائب القسام تبشر بأنها اخترعت بنديقة سموها (الغول) على اسم أحد شهدائهم اﻷبطال... وهنالك قد اكتملت الحكاية، حكاية لم أدرك كنهها لفجائة اﻷقدار... وﻻ يأمن منها آمن.
بدأ الزوار يتوافدون وكل يدلو بدلو نصائحه المتباينة فكانت قدمي مختبر تجاربهم ونظرياتهم الحميمة، و لكنهم أجمعوا أﻻ بد من إخراج النابين، وبإصرار هستيري من أمهاتي وجداتي المشفقات نقشت بالونة اللدغة ليتنفس ورمها من أفئدة إلحاحهن.
كلفني سمها الخطير(كما وصفه الطبيب الاستشاري) ثمان قرب من الترياق فضلا عن قرب المسكنات والسوائل وكزات اﻹبر المقشعرة وانتفاخ القدم وترخضها الذي انتصبت راياته أكثر من ثلاثة أسابيع لم أستطع المشي أو الجلوس للتشهد.
وقضت دفتي أصعب يوم وليلة في أمواج حياتها المتلاطمة ... ولكن قضت روحي ما هو أصعب وأقسى فسم اﻷفعى يكون أكثر برد إذا ما قورن بلدغة صديق قد بنيت له في فؤادك مدنا من التقدير وزرعت له وسط حنانيك المرهفة رياضا من الود فلله اﻷمر من قبل ومن بعد. 
ولكن إن كان سم اﻷصحاب يذهب غيض الشيطان ويذيب اﻷحزان فﻻ ضير ما دامت النفس حصنت من الترياق ما يكفي، ولها أن تمد من الصفح نورا يضاء به اﻷكوان في سبيل اﻹخوة التي يعنى بصفاوتها ديمومة لدعوة الرحمن، جل جلاله وتقدست أسماؤه وهو المستعان على زمن كثر في التقارع والفرقان بين اﻹخوة وأهل الجلدة واﻷرحام. اللهم اجمع شملنا و وحد قلوبنا على طاعتك يا منان.
أبو عبدالرحمن سامي بن محمد بن حامد السيابي



الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: