الاثنين، 3 نوفمبر 2014

الحلقة 56 (دمع الوداع):

 (دمع الوداع) عنوان حلقتنا 56 من حديث الإثنين ونحن نعائش أحداث الهجرة النبوية الشرية وما تخبأة من دروس وعبر للمسلمين خاصة وللإنسانية عامة: 
وكأني على شاشة العرض المرئي أرى سيدي أبا القاسم و هو يسحب شباك نظراته اﻷخيرة من شواطئ مكة، وكأني أرى لؤلؤ عبراته تنساب على وردتيه و هو يسدل مسرح طفولته، ويطوي سجاد شبابه، ويستنشق آخر قطرة مسك سقطت من قنينة أمه، و يمسح بمنديله الذابل آخر لمسة لدوﻻب خديجة. 
ورأيت مقام أبيه الخليل ينشج اﻷنين وطوافه يعزف تراتيله العجيبة بمزامير داود، ورأيت أغصانا وأسوارا ومراعي وألوانا تموج باﻷحزان على فراق خليل الرحمن، عرفت منه معنى الحب و أبصرها برخام الود، و علمها أن الصدق نسيج ليس له أكمام، و أن الرحمة بحر ليس له خلجان. نعم رأيت ورأيت ... رأيت أغلى دمع من أغلى مقلتين على أغلى وجنتين ﻷغلى اﻷوطان. خفي يا شاشة عرضي عني إني قلب مكلوم ﻻ يمضغ هذا الودق من اﻷحزان. 
إني أتفطر من فعيل الطرد بأخ أو صديق أو إنسان فكيف إن كان المظلوم نبي اﻹنسان؟!. 
وأجابت مكة بصوت خافق مرتعش بين صهيل النعي و جس الخفقان: يا من حركت الماء الراكد في أحشائي، وأجريته حتى صار جدوﻻ لكل غاد، و رسمت على جدراني شفة تقبل يد الريح إذا بالبشرى زارت، و جلبت نسائمها الخضراء دواة إلى رمقي وأودعت الزهر في خزفي فمن بعدك يسقي سرب الحمام إذا ناحت واستناحت، وبمجلس من يستضاف ركب الغمام، ستجف زروع الصبح ﻻ شك من بعدك، وتتحطم أجنحة اليعاسيب الطيفية من بعدك ويصير الحب قشا تأكله النيران ويتساقط قرط السمر بلا خفقان إنهم طردوك وما طردوا إﻻ سيادتهم وفسخوا بهجرك ثوب كرامتهم وسلخوا فرو عمارتهم بلا حنان، فكيف المقام بعدك سيدي وأين المقام؟. 
بعدك سيدي تتساقط مناديل الكراء بزحف عناكب الشتاء على بساط الغيض وأنوف الكبرياء، فمن يضم نداء الغوث بأحضان ملساء، أهي المدينة وأنصارها الشرفاء؟. 
يا عاصمة اﻹسلام اﻷولى ومملكة خاتم اﻷنبياء وﻻ ثناء يفوق هذا الزخم من اﻹطراء، إنك تبدين من لمحة العين واحة في بطن صحراء ولكن يختزل العالم لجته في واحتك الخضراء... فهنيئا لك الفوز بسيد الكرماء هنيئا لك وﻷهلك الشرفاء.
أبوعبدالرحمن سامي بن محمد بن حامد السيابي



الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: