#حديث_الإثنين | الحلقة 123 ( عاش ماجدا ورحل ماجدا ):
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
رُزئنا قبل أيام برحيل صاحب حميم و داعية كريم، كان ركبه في مقدمة المتسابقين الذين قال عنهم الله جل و على{يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}، وإنَّ أفول شمسه المفاجئ خلف ليل دامس لم نكن نرتقبه حتى يباغتنا بثلمة أوغلت في الصدر، لم تكد أشجارنا المتمايلة تنتصب من عصف رحيل العم سالم بن محمد السيابي قبل 3 سنوات، حتى تتقرح سماؤنا برحيل عمنا الحبيب سيف بن عامر السيابي (أبو ماجد).
منذ أن عرفته كان الحماس يتوقد من معدنه، يسد به ضعف المستكين، ويدفع به سير المتقدمين، في كل محفل خير يترك بصمته وبنفس واسع، تجده دؤوب لا تفتر همته، ولا يثبطها المتكاسلون، يقود رحلات العمرة مرّة تلو أخرى، ينزل إعلانات الرحلة ويتواصل مع القاصدين بطيبه، و يوفر لهم الزاد وكل ما يحتاجون من بداية الرحلة حتى منتهاها، همه راحتهم و دعوتهم للخير، ثم بعد عودته يحمل حافلة الرحلة إلى صيانتها وتنظيفها بلا كلل ولا ملل، و كل ذلك ولا يدخل فيه جيبه شيء وإنما غايته الخير.
وله في تجميع الصدقات محفل خاص فنسيمها مستنشقه و هواها مستلطفه، وفي زكاة الأبدان تجده منسجما في تجميعها وتوزيعها، والناس من حولها مجدون من جده، وكأنه خلية نحل دؤوبة النشاط، هو ملكتها و هو عاملها، ومن الغريب أن قوائم الأسر المستحقة منقوشة في مخيلته يعرفهم واحدا واحدا رغم كثرتهم، ويحاول جاهدا أن يعدل فيهم و ألا يحرمهم من كرم العطاء... وفي يوم -ليت قارعة شمسه لم تطلع- كنت معتادا بعد فجر كل يوم أن أفتح هاتفي لأبصر على السريع إن كان ثمة رسالة أو اتصال مهم، لكن في صباح ذلك اليوم يوم الثلاثاء الماضي لم أعر هاتفي اهتماما لانشغالي ببعض التكليفات، ثم دخلت مكتبي عند السابعة، وبدأت في عملي، وكأن شيء في خاطري ينقصني لم أدركه، ففتحت هاتفي لأطفق مسحا على رسائل الواتساب المتكدسة، فاستغربت رسالة لم تكن مستعربة، وعلى الفور فتحتها، وكانت من العم أبي مالك، وهي الوحيدة التي فتحتها، فإذا بها بخبر وفاة أبي ماجد … لم تستوعب محارة مخيلتي شلال الخبر المنهال، فأعدت قراءتها مرارا وتكرارا حتى أدركت مضمونها… عندها ذهلت… كيف حدث ذلك؟!، وعدت للهاتف لأتأكد من باقي الرسائل فكان الخبر صحيحا، وكانت وفاته مذ ذاك الفجر، خلفت كل شيء ورائي بلا اهتمام و على الفور انطلقت إلى البلد، وفي طريقي حاولت الاتصال بعدة أشخاص لكي أعرف الحال لكن هواتفهم إما متعذرة وإما مشغولة، فالكل في معمعة الأمر. اختصرت الطريق قدر الإمكان، وكان كل مكان أمر عليه أراه ساكن الأركان، فالدنيا من حولي في صمت غريب، لا تُأوّل غرابته إلا لمصاب جلل، يخرس اللسان عن الإفصاح به، وتذبل أوراق الجنان أن تتكشفه عن فؤادها. وصلت متأخرا والجنازة سبقتني إلى المقبرة، من فوقها غمام الأحزان من فوقها غمام السماء وكلاها تمطران دمعا على رحيل الماجد أبي ماجد، رحمه الله تلك الروح الطيبة ورحم ذلك البدن وأدخله جنة عدن، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا على فراقك يا صاحبنا لمحزونون.
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
لمتابعة حلقات حديث الإثنين على مدونة الأبجدية
(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً ۖ كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)
0 coment�rios: