الاثنين، 13 أبريل 2015

حديث الإثنين | الحلقة 77 ( بائعة الكحل ):

حديث الإثنين | الحلقة 77 ( بائعة الكحل ):
سرى الغلام في غطش الفجر بسيارة ممتصة الشدغين، يوصل صاحبه بعد وردية الليل إلى منزله القاطن عند قرية تلقب "بالمندسة" في جزيرة ...                          
والمندسة اسم على مسمى ، جدرانها العرشان واﻷلواح الخشبية وهي عن الألوان عارية، وسقوفها الصفائح المعدنية (التشينكو) وأسوارها مجاذيف ترمل على أمواج الرمل المرة بين ربوات صخرية، يتشارك مع حياة قاطنيها شويهات هزيلة ﻻ تطعم إﻻ الكراتين والقراطيس من الشوارع والقمامات لضنك المرعى، فكفت واستكفت.   
حديث الإثنين | الحلقة 77 ( بائعة الكحل ):
أوصل الغلام صاحبه وقفى بطريق يظنه طريق العودة وما هو بالعودة وكم من تائه ظن العود مأمونا. فإذا بسيارته الهزيلة ترمي به في صرة المندسة، وإذا بإطاراتها تندس في تربتها. خرج الغلام يتفقد حال سيارته الرابضة، يفكر ويقدر كيف المخرج؟ والزمن يشفط قنينة دقائقه بإنبوب الدوام، فقرر الحفر لتنفيس شهيق العجلات من كربها، وهو في معمعة الحفر منكب تحت السيارة فإذا بعجوز تخرج من خدرها تنوف عن الستين تخرد بنظراتها غموض الحال، وتشفر بمداركها ما وقع أمام عشها هل هي جرم سماوي غشيها والناس نيام؟ أم الطبق الطائر حل بمضاربها؟ أم ...، ثم بدأت تطوف حول السيارة بحثا عن خرخشة حفر وفي شوطها الثاني أو الثالث تكفرت بقدم الغلام المنكب أسفل السيارة، نعم أخيراً وجدته وكأنها وجدت لقمة الحياة، لكن الغلام منهك في الحفرة ﻻ يعيرها اهتماما، فجثمت بركبتيها عند حفرته وأمسكت بيدها النحيفة المرتعشة إخدعي الغلام (الاخدعان عضلتا الرقبة من الخلف موصلتان بالكدفين و الرأس) وأدخلت رأسها عند رأسه حتى كاد ينفطر استغرابا وقالت في فحيح اللهف وأنفاس الغلام على لهيب الفنس: " ولدي إذا حد من هلك يردون يشترون كحال خبرهم أن أمك عايشة تبيع كحال أصلي" وأشارت إلى نفسها.
آآه هنالك استرجع الغلام بالونة أنفاسه الطائرة وأجابها بابتسامة الناجي: "إن شاء الله الوالدة عايشة بخبرهم"...
نعم استغلت بائعة الكحال سياق اﻷقدار لتعقد سفقتها التجارية مع الغلام وﻻ يهم الحال فالحياة كما تعلمون فرص وجب أن تستغل لتُنال.               
حاول الغلام أن يخرج السيارة ولكنه باء بالفشل فالتربة تبتلع العجلات كلما تحركت، فانتابته فكرة استخدام الألواح ليسد بها شهية الرمال الجوعى ورمق الوقت العطش، فأشارت بائعة الكحل لزبونها الجديد إلى ألواح مثبتة على عيايص سور، فقام بإخراجها فإذا بشيخ مسن يصرخ عليه من داخل الحوش :هآآآي إيش تعمل ابيتي"، آآآه رمته صاحبة الكحل في مأزق آخر فقد ظن أن السور سورها و اﻷلواح، فتدارك اﻷمر بالاعتذار واسترخى غضب الشيخ ب"المناشدة"(عادة عربية أصيلة عند العمانيين وهي من شعائر النخوة والنصرة)وطلب منه اﻷلوح إعارةً حتى يخرج السيارة ويعيدها، فوافق.
وجاء الفرج - بفضل الله - إذ مرّ بالغلام ثلاثة عمال آسيويون يبحثون عن البحر. نعم نعم يبحثون عن البحر وهم في جزيرة ينضح حولها البحر، فأجابهم: اذهبوا أي اتجاه وتلقون البحر. ولكنه فطن أنهم يقصدون "الجتي" مرسى العبارات، فعقد صفقته المأمولة بأن يوصلهم نظير مساعدته بدفع السيارة، فوافقوا. وبعد أن هيأ اﻷمور ركب السيارة و فرمل الغيار للوراء (فالدفع للخلف أذرب لطراز "اﻷكس أل"، واﻷمام "للدفريشن")، ولكن رغم استخدام جميع اﻷسباب من تنفيس التراب من خلف السيارة ووضع الأخشاب خلف اﻹطارات و دفع العمال السيارة من أمامها…  رغم ذلك كله لم تتحرك السيارة للوراء، فنظر الغلام متعجبا إلى اﻷمام و ازداد تعجبه أنه لم يجد العمال، فأين ذهبوا؟، 
فنظر حوله فوجدهم ....................................................................... خلف السيارة يدفعون بالعكس من الوراء إلى اﻷمام، فعلم ساعتها أن المندسة أيضا تدس العقول. فنزل يتشيم تركيزهم : يا جماعة الخير يا صديق يا وقت الضيق يا أصحاب المعالي و الفخامة شغلكم الشاغل دفع السيارة للوراء ﻻ للأمام. نعم انحلت عقد المأزق - بفضل الله - و ودعت الوالدة عايشة مقاليد الحظوظ أن يأتي لها الغلام بتسويق يوصل كحلها إلى ما وراء البحار و يصدّر تجارتها إلى العالمية ولعله يشق لها "طريق الحرير"، و(لكنني) ودعتها أﻻ أعود حتى يلج الجمل في سم الخياط. وكم من ظواهر اتفقت ضمائرها أﻻ تتفق.
بقلم: أبوعبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: