حديث الإثنين في حلقته 99 يحمل عنوان (الاستعداد للحج):
هو الاستعداد للرحيل إلى الدار الآخرة في مشهد درامتيكي يجسد يوم البعث والحشر والحساب، ثم إلى عتق أو لا عتق، فكل على نصيبه الذي حاكه لخاتمة نفسه.
فعند المواقيت المكانية( ذو الحليفة ، آبار علي، السيل الكبير وغيرها، التي يأتي عليها الناس من كل فج عميق من قارات الأرض إلى أم القرى) هناك حيث المواقيت، تتوقت الحياة الاعتيادية لتدخل حياة أخرى شبيه بالحياة الأخروية.
حيث التجرد من كل تعربد، فتخلع الثياب، ويترك الطيب، ويغسل الجسد بماء نقي كالبرد، وتلبس الأكفان البيض، ثم تنطلق الركبان إلى مكان الالتقاء، ويوم الموعد المحتوم.
وتنطلق الحناجر بأكف ضراعتها إلى بارئها بالتلبية والأدعية والضراعات السيلية.
وتعتصر الأفئدة للقاء مولاها، فتنسكب الدموع قربانا لتودده وترحمه وتعطفه، لمن ملك مفتاحي باب الرحمة و باب العقاب...هم كانوا كما وصفهم المحقق الخليلي:
(ترى زمر السفار فيه قوافلا… حيارا حسارا من مشاة وركبان*
فمنهم سليب المال بين رفاقه… ومنهم نهيب الروح في يد شجعان*
ومنهم عليل واهن الطبع عاجز…ومنهم كليل في ملالة كسلان*
تنوع أجناس المنوع لكثرة القطوع … فما فيها الأمان لإنسان*
لذلك كان السالكون أقلة… ويكثر فيها الهالكون بفتان) .
لكن الكل يترقب يوم بعثه، يوم بواق التاسع من ذي الحجة، لتنتفض منى بأجداثها أجساد المكفنين بأرواحهم المرهفة، فتتدفق أنهرهم نحو مصب واحد في دلتا عرفات، ينسالون جماعات وجمعات وهم في الحقية فرادا {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا}.
عرفات حيث تمترج الجلدة بأطيافها المتشرزمة، و يتبرزخ اللسان بلهجاته المتباينة، و{كل قد علم صلاته وتسبيحه}، هنالك حيث انتهت الدنيا وغُلِّقت درايشها وشُمعت أسواقها، إلا سوقا واحدا هو مول الضراعات، لتجتمع حول محيطه ملايين البغيات، فكلٌ يغرف بأكياله المتنوعة أكاليل ما شاء لنفسه وما أراد لغيره من خيري الدنيا والآخرة، فمنهم {من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق، ومنهم يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب}، ولكن ومع ذلك كلهم الآن يَرِدُون من محيط الجواد الكريم الذي لا ينضب عطاؤه، ولا يرفد أفقه ولا يكّور نوره و لا تأفل مفغرته و رحمته،
فليت شعري كيف يدرك كنه هذا الإله العظيم ؟
وكيف تُقزّم هيبته و كبريائه إلى تجسيد وثني ظالم مسرف لا ينبت إلا من قزم عاميّ ضحل الفكر، فقير المعرفة بهيبة الجبار و جبروته وقهره؟ {والله المستعان على ما يصفون}،
فكيف يُدْرَكُ من يُدْرِكُ حوائج جميع الخلائق، وكل الخلائق على اختلافها، واختلاف لغاتها ولهجاتها {لقد أحصاهم وأعدهم عدا}، ويسمع نحيب تغلبها، و يصيخ لشهيق أنينها إليه، فيَهِبُ كل محتاج حاجته، ويبسط عطاءه لهم بلا مقايظة سوى العبودية الخالصة من علق{ سبحانك ربي تبت إليك وأنا أول المؤمنين}.
بقلم | أبوعبدالرحمن سامي بن محمد بن حامد السيابي
للنشر رحمكم الله
0 coment�rios: