الاثنين، 11 يناير 2016

حديث الإثنين | الحلقة 115 (شتاء بلا معطف)

#حديث_الإثنين_الحلقة 115 (شتاء بلا معطف):

مهما أوغلت الفضيلة في التراث يظل طودها شامخ لا تعريه رياح التحضّر مهما توهّجت و توجّهت وتهوّجت، و إن الأمانة بشمول اصطلاحها تتضمن ظلالا لفضائل ذات قيم، وتأصيلها:{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها}الحشر21، وتلك العماليق العظام استعطفت بالإباء والإشفاق إدراكا منها لثقل الأمانة المعرض عليها وما يعقبها من مساءلة وهي(التكاليف وما يتبعها من مثوبة وعقوبة)، فأُلقي العبء بمثاقيله على مخلوق ضعيف هو الإنسان:{وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}، فهل أدرك هذا الضعيف عواقبها؟. 

حديث الإثنين | الحلقة 115 (شتاء بلا معطف)

فالعقل أمانة إن احترمته وإلا قل، والدين أمانة إن أقمته وإلا زل، والعِرض أمانة إن حفظته وإلا خل، والشباب أمانة إن وجهته وإلا شل،
والمال أمانة إن أديته وإلا عَل (من العلة)،
والكلمة أمانة وهي أسيرة بين شفتيك إن أطلقتها بسوء أسرتك، والوظيفة أمانة وسط شقّك إن أتقنتها وإلا شقتك، والمسؤولية أمانة على رقبتك إن أتقنتها وإلا ربقتك. 
رجع عمر بن عبدالعزيز إلى بيته باكيا وهو حفيد الفاروق، فسألته ابنته ما يبكيك يا أبتي، قال: اليوم ذُبح أبوك من الوريد إلى الوريد- ويقصد أنه وُلّي الخلافة- فطوى منامه ومسك مصحفه، وحكم المسلمين سنتين ذهبيتين أرجع خلالهما عهد الخلافة الراشدة.  
فكان من إجراءاته الاقتصادية أن أعاد سرقات الحكومات السابقة إلى خزانة المسلمين، فانتعش اقتصادهم، ولم يكن المواطن في عدالته صندوقا احتياطيا لخلافته، واتخذ إجراءات تقشفية بدأ فيها بنفسه وحكومته فكان يحاسبهم حتى على الحبر والورق. ◀ جاءته رسالة من أحد ولاته يسأله مددا من الورق لكتابة الرسائل، فأجابه بأن رسالتك التي كتبتها فيها سطران، و باقي الورقة لم يستغل، فابدأ بنفسك.
ولم يستغل مال دولته إلا لصالح عموم المسلمين، 
◀ جاءه رجل في ليل يريده في أمر خاص، فقام وأطفأ الشمعة، فاستنكر عليه الرجل صنيعه، فأجابه بأنها من مال المسلمين، وأنت أردتني في أمر خاص لا يهم عامة المسلمين.
فتفكّر أيها القارئ إنها مجرد شمعة كما نقول.
وقضى على البذخ والترف، فكان الناس قبله يتساءلون عن عدد الجواري، وأنواع المأكولات، فاتجه همهم في عهده إلى كم حفظت من القرآن، وشجع على العمل فانعشت الحالة المعيشية لدى الفرد و ارتفع الدخل وانتعش الاقتصاد، فقط خلال سنتين حتى أنه لم يجد للزكاة مخرجا ففك الديون وزوّج العزّب.
وفي عهده توحّد المسلمون فأطفأ نار الحروب و أذاب الفتن والطائفية والمذهبية و قبل بالرأي الآخر. 
وفي عهده أعاد للعقل عنانه فجدد مناهج العلم، و بدأ بتدوين السنة المطهرة لسابقة على عهد، وقضى على البدع وأحيا السنن النبوية.
بالجملة إنه عرض ضميره على ربه فعمل بوصيته {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نِعِمَّا يعظكم به، إن الله كان سميعا بصيرا}، فإن قِيدت مصالح المسلمين بأمانة صادقة مضت حياتهم على صرح آمن مطمئن، وإلا صار قيظهم غيضهم و مضى شتاؤهم بلا معطف. 
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله

لمتابعة حلقات حديث الإنثين على مدونة الأبجدية

{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورةً كل له أواب، وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصلَ الخطاب}
الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: