لما كان نبي الله إبراهيم-عليه السلام- ينتظر عقودا طويلة مجيء ولد يرث عنه الدعوة حتى بلغت زوجه الكهل، وشارفت على اليأس، مَنَّ الله عليه بولدهما الصالح الطائع البارّ إسماعيل، فامتلأت شغاف القلوب فرحا به، وظلّا يتعهدانه بالعناية حتى بلغ من العمر ما يكون وزيرا لأبيه بالمشورة والرأي.
وما يكون عونا له في خدمة الدعوة وحاجة البيت - وجاء أمر الله عن طريق رؤيا حقّ لإبراهيم أن اذبح فلذة كبدك، فنزل الأمر عليه وهو في قمة الفرح ، فكان اختبارا صعبا لا يطيقه شخص عادي، بل - في حقيقة الأمر - كان الاختبار على إسماعيل أيضا فمناط الذبح على رقبته اليانعة، وما كان منه هو الآخر إلا أن امتثل بالسمع والطاعة لأبيه النبي لما استشاره {قال يا أبتِ} بالقصر، ولم يقل: أبي بالمد؛ لتفيد عدم تأخر الاستجابة… {افعل ما تؤمر} واستعمل لفظة (ما)الموصولة الدالة على العموم؛أي افعل كل ما تؤمرني به وليس قطع الودجين فحسب… {ستجدني إن شاء الله من الصابرين}، ولما اتفق إيمانهما المطلق ويقينهما المطلق بربهما واتفق تأويلهما للرؤيا أنها الحق، شرعا بتنفيذ المهمة بحذافيرها بسرعة {فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم} الصافات 103 - 107
من ذلك ارتقى إبراهيم -عليه السلام - إلى منزلة "الخلِّة" فصار خليل الرحمن، ولزم علينا الصلاة عليه مع محمدنا {وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم}، وارتقى إسماعيل للنبوّة، وكان من ذريته خاتم النبوة.
إن هؤلاء الصفوة اختارهم الله ليكونوا نورا لنا نهتدي بهم في ظلام الدنيا، فطاعة أمر الله ليس فيه جدال، وهو يقين يعقبه الخير وإن كان ظاهره مشقة، وأن الصبر صرح المؤمن على نوائب الدهر، وأن المنازل الرفيعة عند الله تختزل مزيد عناء، فلنكن لها(المشقّة) لتكن لنا(الرفعة).
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
حديث الإثنين | الحلقة 114 (البلاء المبين على إبراهيم الخليل):
لمتابعة حلقات حديث الإنثين على مدونة الأبجدية
{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورةً كل له أواب، وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصلَ الخطاب}
0 coment�rios: