حديث الإثنين | الحلقة 112 (الحدث الكوني العظيم): بإرهاصاتها المتوقدة كانت البشرية تتهيأ لاستقبال حدث استثنائي غير اعتيادي، بشّر به النبيون، و مهّد أبو الأنبياء بساط استقباله بهجرته إلى مكة، وبنائه للكعبة المشرفة بمعية ولده إسماعيل-عليهما السلام-، فأقاموا فيها الصلاة والزكاة و الاعتكاف و أذن للحج، حتى أصبح للعرب مكانة دينية واقتصادية وعلمية بين جيرانهم، حتى انبثق نور الهداية من بين ظهرانيهم، ليتمم مكارم أخلاقهم ويمحو عن معتقدهم -الذي ورثوه من أبيه إبراهيم- الشرك والأوهام.
♻ وإنك لتشعر بالاطمئنان عندما ترى المسلمين اليوم يعظمون شأن مولده، بالاحتفالات والإجازات والأمسيات، وما هي إلا سنّة حسنة، بل هي تشغر مكانا رائقا تحت مسمى الدعوة إلى الله تعالى، بالتذكير بسيرة أكرم الناس وأشرفهم الذي استطاع برحمته إخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربه، والذي سيظل وفيّا لهم يوم مشهد عظيم تفر فيه الأم عن ولدها والزوجة عن زوجها والأب عن ولده والأخ عن أخيه فلا يجدون من يتشبثون به إلا نبيهم فيشفع لهم ما داموا على طاعته وحبه وهداه.
♻ بدأت هذه الاحتفالات تأخذ صخبها منذ القرن السادس الهجري، ويقال أن الفاطميين أول من أشعل فتيلها، وأخذت طابعها الرسمي على مستوى الدولة في عهد الأيوبيين في عهد صلاح الدين، في إربيل - مدينة في شمال العراق حاليا -، و أما في عُمَان أخذت القضية تناقش على طاولة اليعاربة في آخر عهدهم بعدما وفدت إليهم من أقطار شتّى، وفي زنجبار اعتمدوا كتاب "البرزنجي" في قراءة سيرته في احتفالاتهم، إلا أن علماء الشعراء أبا مسلم البهلاني طوره إلى "النور المحمدي" مستأصلا ما فيه من اعتقادات خاطئة، ثم طوره إلى كتاب "النشاة المحمدية" وهو المعتمد في احتفالات المولد في عماننا .
♻ وقد وقف العلماء في جواز الاحتفال على ثلاثة مذاهب: المقرّ مطلقا، والمنفي مطلقا، والمتوسط، ومذهبنا التوسط، فلا يؤخذ أنه أمر تعبدي فيكون بدعة سيئة تنافي قوله تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [المائدة 3 ].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم :(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) [رواه مسلم] أي: مردود. ولا يزج فيه بالعادات المشينة لتعاليم الدين، كالرقص والغنى والاختلاط والإسراف، بل هو نشاط دعوي يذكرنا بسيرته وهديه فنتنور بها، وتغرس في أولادنا محبة نبينا فيتربوا على حبه و الاقتداء بنهجه وكل ذلك يتأصل في قوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب 21]، كما أن في ذلك اقتداء بأصحابه الذين كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- حياً في ضمائرهم، لم يغب عن وعيهم .
♻ فقد كان سعد بن أبي وقاص يقول: كنا نروي لأبنائنا مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما نحفِّظهم السورة من القرآن، بأن يحكوا للأولاد ماذا حدث في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزوة الخندق وفي غزوة خيبر، فكانوا يحكون لهم ماذا حدث في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
♻ إذن مولد النبي حدث مقدّس لما فيه من الأمور الاعتبارية و العظات والحكمة.
بقلم | أبو عبدالرحم سامي بن محمد السيابي
# للنشر رحمكم الله #
لمتابعة حلقات حديث الإنثين على مدونة الأبجدية
{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورةً كل له أواب، وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصلَ الخطاب}
0 coment�rios: