حديث الإثنين | الحلقة 101 (يسروا ولا تعسروا):
من خلال أكاليل الدين البيّنة يتيقن صاحب اللب، حتمية اليسر الغائرة في الإسلام، من نبعه إلى سقيه، ومن ضفافه إلى صدفه، فمن الشعيرة الكبرى، شعيرة الحج يكون اليسر أكثر اتضاحا، ومن ذات الفرضية تنكشف لك مداها، فهي في العمر مرة، وتلك المرة لا على إطلاقها، حتى تتوفر لديك الاستطاعة:
>{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، والاستطاعة متسعة تشمل المال والصحة الجسد ومأمن الطريق.
> وعندما تساءل أحد أصحاب النبي: "أفي كل عام"؛أي نحج، وهو مجرد تساؤل، لكنه أثار غضب النبي الرحيم لأمته -ولا يحمرّ وجهه إلا لكبيرة- واستنكر سؤاله مخافة الهلاك الذي يكون التشدد من بواعثه، و(لا يشادّ الدين أحد إلا غلبه).
>وكان - صلى الله عليه وسلم- ينادي في الناس بالسكينة و الوقار، وكان يقول:(خذوا عني مناسككم)، وكان منسكه التيسير، فرخّص للرعاة، وتساهل مع السقاة، و عفى عن المتسرّع… (إفعل ولا حرج… إفعل ولا حرج). وترك التهجد ليلة التاسع رغم أن التهجد ديدنه، ولا ليلة العاشر؛ فاليوم الذي يليهما مفعم بالأعمال النشطة التي تحتاج لاستجمام، وعندما علم الناس بصيامه يوم عرفة أخذ الماء من فوره وأفطر رحمة بهم أن يتكلفوا الصيام، مستخدما بذاك صلاحية التشريع التي منحها إياه رب الرحمة لعلمه برحمته، والله يعلم أين يضع رسالته، ويعلم من يختار لقيادة دينه. وكان أفقه الناس من يأخذ بأيديهم من العسر إلى اليسر اتباعا لمنهجية الرسول الكريم الذي كاد يتبرأ من المتشددين:(من رغب عن سنتي فليس مني) .
#*# كنت في أول حجة لي، تعرضت لموقف لا يمكن نسيانه وهو أنه عندما كنت أطوف طواف الإفاضة عند صحن الكعبة كان الزحام شديدا، وفجأة أُذن للظهر ثم أقيم لها، فصار الناس يوسعون دوائر الطواف للصلاة؛ مما نتج عنه موجة بشرية مما يلي الكعبة إلى المسجد، فدفعتْ بالناس للتدافع والسقوط، ومن سقط لا يؤمن عنه الهلاك. وكنت ممن دفعوا إلى الخلف ، و كانت امرأة بجنبي سقطت على الأرض فمسكتها من عضديها ورفعتها قبل أن تطأ بفضل الله، ثم انتابني خوف مما حصل فقررت الطواف في الطابق العلوي، وهناك الشوط الواحد عن سبعة عند الصحن. و في الشوط الخامس تذكرت أني لامست امرأة وإن كنت مضطرا، فأعدت الوضوء وأعدت طوافي ليستغرق مني ساعات، حتى فقد أصحابي الأمل في إيجادي. وعندما وجدوني احتضنوني لشدة خوفهم علي، بعدها رجعنا إلى مخيمنا إلى منى بعد يوم شديد عسر ، وإذا بي وجدت دما في ثوبي فشعرت بالإحباط أن جهدي كله ذهب هدرا، فلم أجد إلا صاحب السنة والعالم بها العلامة سعيد القنوبي - حفظه الله- ، فلا أدري كيف قضيت ليلتي حتى أسأله صبيحة اليوم التالي، فذهبت إليه والعُقد تملأ قفير رأسي، فسألته عن فعيلي مع المرأة، فلم يزد أن أجاب:"حسنا فعلت". ثم سألته عن إعادة الوضوء وإعادة الطواف فلم يزد أن أجاب:"حسنا فعلت". فسألته عند الدم، فأجاب ميسرا:"لعله حدث فيما بعد". ولله الحمد، أزاح عن كاهلي عبء ثقيلا من المشقة .
::: الخلاصة :::
فتمعّن ♢ عزيزي القارئ ♢ أن لو كان شخص غيره متفيقها هل يحد عن قوله: أعد طوافك احتياطا، وهل إبطال الأعمال إلا أمر منهي عنه بنص الكتاب المبين{ولا تبطلوا أعمالكم}؟!. وأخيرا انبه على ألا يتخذ مقالي ذريعة للتساهل في التقرب لانتهاك حرمات الله تعالى، فالدين يسر في تنظيره و تطبيقه، لا في أمور أخرى تبعده عن مقاصده النبيلة
بقلم | أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
0 coment�rios: