حديث الإثنين | الحلقة 109 (قصة حاج على شفير الحدود.. الجزء الأخير): كان التعاي الحميم بين أبناء الوطن الواحد يجسد معنى (الوطنية) التي آوت مذهبيتهم إلى حاضنة الألفة المتفردة، و من خلال هذه النموذجية يمكن الانتقال بحضراتكم إلى سبر قضية كبرى تتمثل في التعايش الآمن بين الشعوب المسلمة في أوطانهم، في أمنهم واستقرارهم المعيشي وهي قضية المواطنة. فما ماهية المواطنة؟ أو القومية التي يسميها البعض.
# آراء المفكرين الإسلاميين: تباينت آراؤهم في المعنى الاصطلاحي للمواطنة، فالإمام جمال الدين الأفغاني يرى أنها تحمل معنى الجامعة الإسلامية المتدينة الواحدة، ويذكر عنه محمد عماره أنه حدث تحول في تصوره، فأوجد لها علاقة مرنة بين شمولية الجامعة الإسلامية والقومية العربية(جامع اللغة العربية)، وعلل عمارة أنه كان يسعى بذلك للتصدي للاستعمار الغربي. و رفض تلميذه الإمام محمد عبده القومية التي جاءت من الغرب و شبهها بالعشائرية بين العرب، والمواطنة عنده تحمل الحب والاهتمام والكرامة بالنظرة الإسلامية. و أما حسن البنّا فقبل القومية بشرط أنها تكرم الأجداد وتحتفي بجذور العائلة وتفخر بالعمل وعزة الجهاد في سبيل تحقيق أهداف الجماعة. وأبدل المودودي القومية بالإنسانية الشاملة، لتعارضها مع الإسلام، واتفق معه سيد قطب ولكنه عرفها بالعقيدة الإسلامية.
وأما الشيخ أحمد بن سعود السيابي فيرى أن الوطنية تكون حيث تكون المصلحة العامة لعامة شعب، و تختلف ماهية المصلحة في كل دولة على حسبها، وتراعا بها تاريخ البلد و العرق و الدين والمذهب.
بيد أن هذه الكوكبة من المفكرين اتفقت على رفض مفاهيم (القومية والمواطنة) التي تعتبر اللغة والأرض والثقافة أكثر أهمية من الولاء الديني.
=> رأيي في مفهوم المواطنة: بدايةً نعمل بوصية رسولنا: (فإذا تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) أي القرآن الكريم والحديث( الصحيح)، ولا أجد مردا من القرآن في ذلك إلا قوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، فالخطاب موجه إلى شرائح الناس مسلمهم و كتابيهم و كافرهم، عربهم وعجمهم، وكان أصل الخلق فردان لقوله: {من ذكر وأنثى}، وهما يشكلان( الأسرة) النواة الأولى لخلية مجتمع، قال تعالى: {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها}. ويقتضي السلّم الطبيعي لتواصل الحياة أن تتشعب المجتمعات في المعمورة من النواة إلى الخلية إلى الجسدية المترامية الأطراف { وجعلناكم شعوبا وقبائل}، فهل انتهت الغاية؟، الجواب: اقتضت الحكمة من ذلك التنوع والكثرة أن يتعارف الناس فيما بينهم، فيقبلوا بتنوعهم الذي انقسموا عليه من سنة خالقهم وأن يستوطنوا على واقعهم الطبيعي المنطقي بالتعارف{لتعارفوا}؛ أي لتتعارفوا، واللام هنا للتعليل، فالتعارف هو العلة المشتملة على حكمة الجعل على الشعوبية والقبلية، إذ الحكمة التي تعوز الناس على التعايش هي التعارف، والتعارف هو الوطنية في رأيي. ولكن قد يسأل سائل أن نبي الله محمد - عليه الصلاة والسلام - جُعل له سند القبيلة المتمثلة في حماية زعيمها عمه أبي طالب {ألم يجدك يتيما فآوى}، غير أن ذلك السند قد يُفسر بالمنّة التي منها الله عليه، وإنما المنة علاوة كمالية على الأصل. وقد يجاب: أن ما يمنه الله أصل بخلاف منن خلقة.
إذن نستنتج مبدئيا أن الوطنية هي التعارف المجتمعي بين الشعوب والقبائل، وهذا هو الحد الأدنى للوطنية الذي لا ينبغي النزول عن مستواه وإلا كانت النتيجة كارثية، ثم ترتقي بنا الآية الكريمة تلك إلى أوج التعارف المثالي (الوطنية المثلى) عند قوله تبارك وتعالى:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فالكرامة الإنسانية وعزتها المثلى تتأتى بتقوى المولى جل وعلى، و هي بذلك لا تقف عند مجرد التّسمّي بالإسلام، وإنما بالنضج الإيماني فيه الذي تترجمه الجوارح بالسلوك الأخلاقي الحسن، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران.
ذن الوطنية هي التعارف وهي على مستويين ، المستوى الأدنى التعارف المجتمعي المشكّل للشعوب والقبائل… ، وأعلى المستويين هو التقوى الذي هو ثمرة الضبط السلوكي الرصين. وقد جاءت هذه الآية الكريمة الذي ذُيِلت بعلم الله بخلقه وخبرته فيما يناسبهم، جاءت بعد حال : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} وهذا واقعنا المؤلم المشاهد بين الناس عموما في العراق وسوريا واليمن ومصر و فلسطين، وجاءت بعد {لا يسخر قوم من قوم… ولا نساء من نساء}، وبعد{ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب} وبعد {اجتنبوا كثيرا من الظن} وكلها كبائر تؤدي باللحمة الوطنية إلى مهاوي الفرقة والدماء، وقد بدأت بأتفه الأسباب الناتجة من الشذرات الفردية لتفتق المجتمعات بالكلية فتقا، فجاءت هذه الآية تبين معنى الوطنية التي ينبثق منها الأمن التعايشي الكريم الناصع{ وإن الله عليم خبير}.
بقلم | أبو عبدالرحم سامي بن محمد السيابي
وأما الشيخ أحمد بن سعود السيابي فيرى أن الوطنية تكون حيث تكون المصلحة العامة لعامة شعب، و تختلف ماهية المصلحة في كل دولة على حسبها، وتراعا بها تاريخ البلد و العرق و الدين والمذهب.
بيد أن هذه الكوكبة من المفكرين اتفقت على رفض مفاهيم (القومية والمواطنة) التي تعتبر اللغة والأرض والثقافة أكثر أهمية من الولاء الديني.
=> رأيي في مفهوم المواطنة: بدايةً نعمل بوصية رسولنا: (فإذا تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) أي القرآن الكريم والحديث( الصحيح)، ولا أجد مردا من القرآن في ذلك إلا قوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، فالخطاب موجه إلى شرائح الناس مسلمهم و كتابيهم و كافرهم، عربهم وعجمهم، وكان أصل الخلق فردان لقوله: {من ذكر وأنثى}، وهما يشكلان( الأسرة) النواة الأولى لخلية مجتمع، قال تعالى: {خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها}. ويقتضي السلّم الطبيعي لتواصل الحياة أن تتشعب المجتمعات في المعمورة من النواة إلى الخلية إلى الجسدية المترامية الأطراف { وجعلناكم شعوبا وقبائل}، فهل انتهت الغاية؟، الجواب: اقتضت الحكمة من ذلك التنوع والكثرة أن يتعارف الناس فيما بينهم، فيقبلوا بتنوعهم الذي انقسموا عليه من سنة خالقهم وأن يستوطنوا على واقعهم الطبيعي المنطقي بالتعارف{لتعارفوا}؛ أي لتتعارفوا، واللام هنا للتعليل، فالتعارف هو العلة المشتملة على حكمة الجعل على الشعوبية والقبلية، إذ الحكمة التي تعوز الناس على التعايش هي التعارف، والتعارف هو الوطنية في رأيي. ولكن قد يسأل سائل أن نبي الله محمد - عليه الصلاة والسلام - جُعل له سند القبيلة المتمثلة في حماية زعيمها عمه أبي طالب {ألم يجدك يتيما فآوى}، غير أن ذلك السند قد يُفسر بالمنّة التي منها الله عليه، وإنما المنة علاوة كمالية على الأصل. وقد يجاب: أن ما يمنه الله أصل بخلاف منن خلقة.
إذن نستنتج مبدئيا أن الوطنية هي التعارف المجتمعي بين الشعوب والقبائل، وهذا هو الحد الأدنى للوطنية الذي لا ينبغي النزول عن مستواه وإلا كانت النتيجة كارثية، ثم ترتقي بنا الآية الكريمة تلك إلى أوج التعارف المثالي (الوطنية المثلى) عند قوله تبارك وتعالى:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فالكرامة الإنسانية وعزتها المثلى تتأتى بتقوى المولى جل وعلى، و هي بذلك لا تقف عند مجرد التّسمّي بالإسلام، وإنما بالنضج الإيماني فيه الذي تترجمه الجوارح بالسلوك الأخلاقي الحسن، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران.
ذن الوطنية هي التعارف وهي على مستويين ، المستوى الأدنى التعارف المجتمعي المشكّل للشعوب والقبائل… ، وأعلى المستويين هو التقوى الذي هو ثمرة الضبط السلوكي الرصين. وقد جاءت هذه الآية الكريمة الذي ذُيِلت بعلم الله بخلقه وخبرته فيما يناسبهم، جاءت بعد حال : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} وهذا واقعنا المؤلم المشاهد بين الناس عموما في العراق وسوريا واليمن ومصر و فلسطين، وجاءت بعد {لا يسخر قوم من قوم… ولا نساء من نساء}، وبعد{ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب} وبعد {اجتنبوا كثيرا من الظن} وكلها كبائر تؤدي باللحمة الوطنية إلى مهاوي الفرقة والدماء، وقد بدأت بأتفه الأسباب الناتجة من الشذرات الفردية لتفتق المجتمعات بالكلية فتقا، فجاءت هذه الآية تبين معنى الوطنية التي ينبثق منها الأمن التعايشي الكريم الناصع{ وإن الله عليم خبير}.
بقلم | أبو عبدالرحم سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
0 coment�rios: