هو تواضع امتد من عرق النبوة، فكان من الأصل لهم فروة، فعندما سئل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن شك أبيه خليل الرحمن إبراهيم عن قوله:{ رب أرني كيف تحيي الموتى}، (أجابهم متواضعا: نحن أحق بالشك من إبراهيم)؛ أي: لو شك إبراهيم لكنا نحن أحرى بذلك، لضعفنا. فلم يشك الخليل حشاه عن مقدرة ربه على الخلق، وإنما طلب زيادة اليقين برؤية كيفية الإحياء، هل جارية على نواميس معينة، أم مجرد قدرة يقول صاحبها للشيء كن فيكون.
حديث الإثنين | الحلقة 118 (تواضع علمائنا فيما بينهم):
وإليكم جملة من جميل علمائنا الأبرار:
1.أراد رجل أن يمدح الفاروق بأنه لم يعدل أحد بعد النبي مثلك يا أمير المؤمنين، فوكزه عمر بالدرة، و أجابه: ويحك، أين وضعت أبابكر، ثم أردف مبينا مكانة الصديق منه: ليت لي ليلة من أيام الصديق ولياليها، أو قال: ليتني شعرة في صدر الصديق.
2.قال حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن العباس -رضي الله عنهما- مبينا مكانة تلميذه جابر بن زيد-رحمه الله- الذي أصبح إماما في العلم، عجبا لأهل العراق يسألونني وفيهم جابر بن زيد. ويروى أن ابن العباس كان في نطقه لثغة، وكان جابرا يلثغة توقيرا لأستاذه، وتيمنا به.
3.ألّف العلامة عامر بن خميس المالكي كتابا سمّاه "طلعت القمر"، وعندما علم أن الإمام نور الدين السالمي ألف كتاب "طلعة الشمس" وهي شرح لمنضومته في أصول الفقه"شمس الأصول"، أخفى العلامة المالكي كتابه ولم يُرى إلى اليوم، فلعله أحرقه، وعندما سُئل عن سرّ إخفائة أجاب توقيرا لمدار الفتيى: إذا طلعة الشمس غاب القمر.
4. حادثة شهدتها بأم عيني، وبطلها فضيلة العلامة حمود الصوافي، وتلميذه العلامة سعيد القنوبي. إذ كنت في زيارة للشيخ الصوافي، وكان مجلسه كعادته يضج بالزوار وطلبة العلم والمستشيرين له والمستفتين والطالبين لعلمه وفضله وكرمه الكبير، وكان أحيانا يجيب عن استفسارات المتصلين بالهاتف، فجاءه اتصال من أحدهم يستفتيه في مسألة، ورأى فضيلته أن يسأل فيها العلامة سعيد القنوبي الذي صار حبرا في العلم بعدما تتلمذ على يديه، فاتصل الشيخ حمود بالشيخ سعيد، وعندما حمل الشيخ سعيد القنوبي هاتفه انتصب الشيخ حمود قائما حتى انتهت المكالمة ثم جلس، وكان يكنية بالشيخ، ولم يقل سعيد لما وصل إليه من فضل، ثم تكررت تلك الحادثة أكثر من مرة فكان الشيخ كلما حادث الشيخ القنوبي انتصب قائما ولا يجلس حتى تنتهي المحادثة، رغم أنه كان تلميذه و والده، … فعلمت ساعتها يقينا أنها أخلاق علمائنا الفريدة الموصولة بأخلاق أنبيائنا العظماء.
5. بل نجد الغيرة منهم تثور إن تجرأ أحد على انتقاد أحدهم في حضرتهم، وفي ذلك أخبرنا الشيخ القاضي سالم بن حمد الحارثي -رحمه الله- ، أنه عندما كان تلميذا في مدرسة العلامة خلفان بن جميّل السيابي -رحمه الله- في سمائل، أن أحدا من الطلبة استنكر رأي أحد العلماء في مسألة، فعنف عليه الشيخ السيابي بقسوة وأمرهم جميعا ألا يتطاولوا على العلماء، لما لهم من فضل على الناس.
*#*# إن احترام العلماء الأبرار من الدين، والسخرية منهم سخرية بالدين، لأنهم عماده وحصنه و سراجه. وبفقد أحدهم يثلم الدين، ولموت عالم أهون من موت قبيلة، فلنتق الله فيمن أودع الله فيهم خزائن علمه.
*#*# ولئن كان هذا خلق العلماء فيما بينهم، أليس حريا ببعض الدعاة الاقتداء بهم، بدل السخرية فيما بينهم و التجريح وتجنب مغذيات الفتن ومن أشدها (الغيبة، والحسد، والغرور، والمنّة، والتعالي، والتقليل، وسوء الظن، وعدم التوقير وعدم الرحمة)، وكلها موبيقات ثقلت على العصاة، حتى صارت الدعوة مكسورة الجناح بسببهم، وكانوا هم أنفسهم أول ضحية سقمهم، فغابت القدوات، وانكشفت المعاصي والسيئات، فليتق الله من حمّل نفسه دعوة الله، فليحسن أداء أمانة الله في نفسه أولا ثم الآخرين.
✒ أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
للنشر رحمكم الله
لمتابعة حلقات حديث الإنثين على مدونة الأبجدية
{إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورةً كل له أواب، وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة وفصلَ الخطاب}
0 coment�rios: