الاثنين، 17 أكتوبر 2016

حديث الإثنين | الحلقة 153 (يوسف العزيز -13- ... أدب الحديث)

حديث الإثنين | الحلقة 153 (يوسف العزيز -13- ...  أدب الحديث) 
قال الله تعالى على لسان نبيه يعقوب:{إني (ليحزنني) أن تذهبوا به و(أخاف) أن يأكله الذئب...}.

نبي الله يعقوب يريد أن يصل بأوﻻده (بطريقة التنبيه) إلى محذور يودي بهم إلى خطر محتمل محدق نتيجة (غفلتهم) {وأنتم عنه غافلون}، فلم يشأ أن يجرح مشاعرهم بالتنبيه المباشر، فاستخدم ألفاظا أدبية تدريجية حتى بين لهم محذوره... فمن قوله(إني ليحزنني) إلى(وأخاف) ﻷجل (غافلون)، عبارات مهذبة في منتهى اﻷدب ورقي أخﻻقي في الحديث، يراعي من خلاله حسن الاتصال مع الغير.

ولم ينزل عن هذا الرقي حتى مع أبنائه القريبين منه قربا لصيقا، ونحن نتعلل بذلك القرب مع أوﻻدنا لنتطاول عليهم بألفاظ لربما ناقضت منهج اﻷنبياء تماما، وغرست فيهم أخلاقا سيتعثرون من خلاله في مستقبلهم.

حديث الإثنين | الحلقة 153 (يوسف العزيز -13- ...  أدب الحديث)

أدب الحديث هذا أفاد منه ولده يوسف العزيز ولم يفد منه باقي أوﻻده، ولكل نال درجته بما أخذ وأفاد لذلك استحق الرفعة (النبوة)، فعبارات باقي الأبناء (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل... لفي ضلالك القديم... حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين) هي ألفاظ مباشرة مجردة من اللطف عارية من التهذيب، مشحونة بالغيض... أنظروا مثﻻ كيف يستخدمون التأتأة الصوتية من قولهم {تالله تفتأ تذكر...حتى تكون} كل ذلك في عبارة واحدة.

غير أن العزيز عز عليه تهذيب أبيه أن تذهب سدى (يا أبتي) لطفا بالأبوة (يا صحبي السجن) لم يقل يا مجرمين، (ما بال النسوة الﻻتي قطعن أيديهن) لم يقل الفاسقات، (إن ربي لطيف لما يشاء) تأدبا جما مع ربه وخالقه.

بل أخفى ألفاظا في حالة غضبه مراعاة لﻷخوة وتجنبا للتهكم وإصرارا منه على التحلي بتربية أبيه وحفاظا على مكانة الصﻻح التي تبوأها و شرف بها وهي مقام النبوة فعندما اتهم بالسرقة {أسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم)، بل إن عباراته المهذبة أصبحت "كرزما" تنبض من ديدنه فعبارة (معاذ الله) يلطف بها نطقه إن واجه مكروها.

إن لطف الحديث وانتقاء أحسن عباراته لهو خلق اﻷنبياء و مسار الصالحين.

وأذكر هنا مما أخبرني به الشيخ سيف الفارسي رحمه الله عن تحلي اﻹمام محمد بن عبدالله الخليل باﻷدب الرفيع وانتقاء أعذب اﻷلفاظ... ومن عادته أنه إذا غضب على شخص ﻻ يزد أن يقول له "سير في شغلك"، وفي يوم ما كان يكلمه رجل وكان ذلك الرجل اعتاد شرب الخمر وكان اﻹمام قد ردعه عنه، وأثناء حديث لهما أغضبه الرجل فقال له اﻹمام : سير في شغلك. فأجاب الرجل: يا إمام أسير في شغلي؟. يقصد شرب الخمر، ففهمه اﻹمام وزجره.
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: