الاثنين، 19 ديسمبر 2016

حديث الإثنين | الحلقة 162 (السيرة النبوية بين المستشرقين والمسلمين):

حديث الإثنين | الحلقة 162 (السيرة النبوية بين المستشرقين والمسلمين):
   مرت المعلمة اﻹسلامية بلكمات متعددة في فكرها وروحها منذ فجر الحروب الصليبة إلى ظهيرة الاستعمار الغربي إلى اصفرار شمسنا، فما فتئ جاريا إلى تحقيق مكاسبه المادية وطموحاته التسلطية، ونجد له اليوم حضورا واسعا في إقليمنا الخليجي ومجلسه التعاوني برحابة معلنة غير مسبوقة، مع المملكة المتحدة.

حديث الإثنين | الحلقة 162 (السيرة النبوية بين المستشرقين والمسلمين):

    بزغت تلك الطموحات بعد الثورة الغربية العلمية والصناعية  على الكنيسة التي اعتبروها أفيون الشعوب وعقبة التقدم الحضاري بكل أطيافه... فحوصرت ليقبع رهبانها بين جدرانها ليس لهم عمل سوى صكوك الغفران وعقد النكاح وقبر الموتى.
    امتدت الصناعة كل أنحاء أوروبا حتى فاضت عن الطلب المحلي، وليس لفيضانها مقايض سوى البلدان المجاورة ومنها اﻹسﻻمية فزحفت بنادقهم لتفتح الطرق لبضائعهم لﻷسواق الجديدة، غير أن بعض العلماء والمفكرين اﻹسﻻميين أدركوا خطورة زحفهم الاستعماري الذي يظهر نشر التحضر وتحرير الشعوب من الجهل ويكفر العلمانية بهدف القضاء على اﻹسﻻم وعقيدته وتعاليمه من بضرب مصدريه الرئيسيين القران والسنة وكذا السيرة، كما يرنوا إلى إزاحة مخلصيه الذين يرصفون عقبة على خارطة طريقهم.
   
   دأبت المملكة المتحدة أثناء استعمارها لمصر العزيزة أم الدنيا في إرباك القبة اﻷزهرية الصامدة إبان الاستعمار، لكنها ﻻقت رفضا قاطعا، فطرحت حﻻ على طاولتها بخيارين؛ فصل الشعب عن علماء اﻷزهر وهذا الخيار من الصعوبة بمكان، ورجحت أن تفصل المسلمين عن روحهم الدينية والعقدية والفكرية وهذا ما اقترحه لهم المستشرق "لورد كرمر".
    أفكار لورد وجدت أرضا خصبة ومحل اهتمام بعدما بهر عامة المسلمين من الصناعة الغربية وتقدمها مما انعكس على شعورهم بالإخفاق والخيبة... فباتوا يقنعونهم أن ما وصلوا إليه لم يكن إلا بفصل الدين وهيمنته عن الدولة وسياستها العلمية والعملية... فالبريطانيون يستحضرون على المسلمين ماضيهم ليصدروا ثورتهم  للمسلمين ولكنهم في الحقيقة يسلطون سهامها على اﻹسلام ومضامينه ونبيه ليحققوا مآربهم الاستعمارية.
    وفي ذلك مغالاة كما تعلمون فاﻹسﻻم دين يدعوا للعلم ويشجع على التقدم فيه وتعاليم القرآن واضحة وتوجيهات النبي جلية... كما أن المسلمين اﻷوائل طبقوا ذلك على أرض واقعهم وصدروا تقدمهم إلى كل بلد يفتحونه واﻷندلس خير شاهد، وقد قدوا العالم حقبة من الزمن حينما كانت أوروبا ترتغد في قرونها الدامسة.
   ومما أعملت فيه خطة لورد إعادت تفسير القرآن الكريم وإعادت كتابة السيرة النبوية وغيرهما، وقد قطعوا في ذلك شوطا ﻻ بأس به في تغيير المناهج الدراسية وخططها المتعلقة بالتربية اﻹسﻻمية التي تسمى اﻵن الثقافة اﻹسلامية ولما ثار الرأي العام أرجع المسمى وأسبر المحتوى، وﻻ تستغرب أن ترى هشاشة خطب الجمعة وتقهقر الخطاب الديني ... فكل ذلك يمضي على السفارة البريطانية واﻹمريكية لتنخله على ما تشاء فيكون لحمه كلحم الكبش المستورد المتغذى على القش اليابس... ولم يبق للمصلين سوى أجر حضورهم للجمعة، ليعودوا كما جاؤوا.
  
   وحديثنا هذا يسلط الضوء على السيرة النبوية، التي أوكلت كتابتها إلى من جعلوا أنفسهم جسورا يعبر من خلالها الغزو الفكري، ومن بين هؤﻻء صاحب كتاب "حياة محمد" حسين هيكل.
    كما ترون عنوان الكتاب مجرد عن الصﻻة على النبي، وهذه إشارة على محتواه، ومحتواه يجرد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من معلمة نبوته ورسالته التي لﻷمة أجمع، ليقدمه للناس أنه "زعيم سياسي أو قائد عسكري..." وغير ذلك من اﻷمور التي تجعله في مصاف القادة والزعماء الآخرين، وبالتالي ينعكس أثر تلك الفحوى إلى هداية المتلقي، فإن كان مسلما تجرد قلبه من الروح اﻹيمانية، ليتجرد تائها كؤلائك المنبرين للعقل المجرد، وللعقل نزعات لا يؤتمن تصرفها.
    وإن كان التلقي غير مسلم لم يكن له سبيل يهتدي به للغشاوة التي حالت بينه وبين فهمه للمهمة اﻷساسية التي قدم نبي الله ﻷجلها وهي الرسالة الخالدة العالمية التي تشمل كل إنسان والكل معني بها، فظل في حيرته من خﻻل فهمه أن محمدا حاله كحال باقي القادة.
   جاءت هذه اللكمة في بداية القرن الماضي غير أن بعض العلماء النبيهين أدركوا خطورة هذه الظاهرة فأعادوا كتابة السيرة النبوية ليمزقوا تلك الصحف المضللة على قدسية الرسالة النبوية ومن بين هؤلاء العلامة الدكتور سعيد رمضان البوطي صاحب كتاب "فقه السيرة النبوية" الذي أقرأه باستمرار.
   ومن التمثيل على ذلك^ تفسير الملائكة في غزوة بدر أنهم بمعنى الروح المعنوية وما تخلفه من الشدة ورباطة الجأش للمقاتلين، وليست بالمعنى الحقيقي الذي يؤمن به المسلمون ويصدقونه، فتثبت بهم أفئدتهم ويرسخون أقدام نصرهم.
   وبما أن دراسات التنمية البشرية أثبتت الكثير من براعة نبي الله في مجالات عدة، بل أصبحت مصدرا لتلك الدراسات وتمثيلا نموذجيا لها من خلال وقائع سيرته المشرفة... أرى أن يجمع اﻷمرين في قالب واحد (محمد النبي في رسالته واﻹنسان في قيادته) فكونه رسولا أي جاء ليخرج الناس من كفرهم وظلمهم إلى اﻹسﻻم الحنيف وعدله وسماحته، وهذه معلمته اﻷساس، وكونه قائدا أي أنه يتمتع بصفات مصاحبة لنبوته جعلت منه قائدا في كل ما تحتاجه البشرية من قدرات تجعلها مستخلفة في أرض الله خلقها وبارئها.
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي

الموضوع السابق
الموضوع التالى

كتب الموضوع بواسطة :

0 coment�rios: