حديث الإثنين | الحلقة 165 ( حكاية النخلة - النخلة العمانية نموذجا )في موسم الصردة -وهو موسم بارد جدا في عند ديسمبر ويناير- يبدأ طلع النخيل إيناعه ليتصدع غيضه من كفر الشغراف، ذلك اﻹيناع المؤذن بقيض(موسم جني الرطب من بداية إبريل) مبشر بالرزق الوفير من النخل الوريف قبل دنو الخريف.
هذه الحكاية تبدأ منذ (الفسل، ثم الشراط، ثم التنبيت؛ ثم الحدار، فالخراف فالجداد فالكنز).
تتمغط النخيل بأجنحة زورها لتشكل الجنات المعروشات ذات الظلال الرومنسية الهادئة، هي صديقة الفﻻح العماني ومساعده "البيدار" اللذان يتبادلان معها حكايات الصباح الباكر وتسبيحات العابد الشاكر، وقهوة العريش الساحر، هي النخيل العوان والعوان باللفظ القرآني {باسقات} أي: (الطوال)، وعوانها ممتد لعون صاحبها في قيضه وقضيته وشتاه، ففي حره من عرائشها صراد، وفي برده من أطرافها وكربها عن الرمض حراد، وعدوها الجراد، وثمرها غاية المراد، وفي القيض بيض في الشتاء مداد. كانت للعماني وكان لها، أمان الصدق وقرة الوفاء وسمر الحميم، وعناق المشتاق، وبسمة الحبيب، ولجة اﻷريب... وﻻ غرابة فهي المعاش والعشاش، والسوح والبشاش، والذخر والبر، والصدقات والتركات، ...والسوح من سحها والبشاش من بشرها.
ولتكاثرها أربع طرائق:
الطريقة اﻷولى: تنبت النخلة اﻷم نخيﻻت صغار بين عروقها وجذعها، ذلك النبت يسمى (الصرم) جمع صرمة، والصرم لغة من القطع، وسمي السيف القاطع بالصارم، وسميت الصرمة بذلك نظرا إلى مصيرها، وتسمى الصرمة أيضا بالفسلة، بالنظر إلى مآلها، فهي تقطع من أمها لتفسل (تغرس).
الطريقة الثانية: إن نبتت الصرمة من وسط القيعلة (جذع النخلة باللفظ القرآني) تسمى "القَعْوُ " وهو في اللغة البَكرةُ من الخشب، وجمعها قَعْوان، وسميت بذلك للتشابه على ما أحسب، غير أنها لا تصلح للفسل عادة إلا لقعو نخلة "الهلالي" فإنها تنبت، ويمكن يربط القعوان على أصل منبتها طينا مخلوطا بسماد عضوي ويحكم الربط بكيس يمنع دخول الهواء لبرهة حتى تنبت له عروق، فيقطع بعدها ليفسل.
الطريقة الثالثة: عن طريق "الحجب"-سيأتي معنى الحجب- الذي بداخل قمة النخلة، ويعرف طريقته مهندسو الزراعة. لكن هذا النوع من الفسائل أقل جودة مما سبق رغم سرعته في النماء.
الطريقة الرابعة:عن طريق غرس "الفلح" (أي:النوى) في تربة تمتزج بالطين وتسقى حتى تنظر (تنبت)، لكنها تحتاج وقتا طويﻻ، وتصلح هذه الطريقة لنقل النخيل عبر الهيميان إلى دول بعيدة.
أفضل اﻷوقات لغرس الفسائل هو موسم (الرباعني)، عندما تربع النخيل أي: عند انتهاء القيض، ويحدد في بداية جداد (جذاذ) نخلة الفرض، وبزوغ نجم سهيل، وأنسب وقت لغرس الخلاص في الشتاء.
من شهرنا هذا(يناير) يبدأ الطلع بانبثاقه من حنايا أمه فيظل الطلع في دأبه إلى شهره الثالث(مارس)، فيهرول البيدار المترقب إلى تنبيته بنبات الفحل، وتجده منهمكا ﻻ يهدأ لها بال ولا يهنأ له حال، فطلع من هنا وطلع من هناك، يترواح طلعها بين الخمسة والعشرين في النخلة الواحدة، يتفاوت طلوعه على أزمنة متفاوتة، ومن إبريل إلى يونيو يكون موسم الخراف(جني الرطب)، يقول الشياب:تنبيتها ثﻻثا وخرافها ثﻻثا. وبين التنبيت والخراف يقوم الفﻻح بعملية التحدير، وهي عملية إنزال العسق(حامﻻت الثمار) إلى أدنى درجة لتيسير الخرف، ويتعرض في هذه العملية إلى طعن السﻻ(شوك النخيل). ولكن قبل ذلك يقوم ب"الشراطة" وهي عملية التقليم وتكون بقطع الزور اليابس وشرط الكرب (تقطيع بداية الزور تهيئة لطلوع النخل) وإزالة طبقة الليف. ولكن في هذه الحالة يتعرض البيدار إلى لدغات دبي القط "الدبابير الصفر" المعششة بنكفها على الزور أو تلسعة "الفشاخين" المستوطنة في داخل الليف(جمع فشخون وهي النمل اﻷحمر العريض).
وأول بشر للرطب يأتي لنوع يسمى (القدم) وسمي بذلك لتقدمه على النخيل، ومنه قش البطاش أحمر اللون، ثم تأتي النغال ذات الرطب اﻷصفر ذو الرائحة الجميلة والسكر اللطيف، ومن النغال نوع في غاية الروعة نسميه (ملويف) رطبه مزيج بين التمر والرطب.... ثم تبدأ الخرايف بالتوالي (الخنيزي فالخلاص فالزبد فالجبري فالخصاب فالهلالي)، تتخلله القشوش، وقش العروس والنعيم والسويح والطبق والمنزف والمسفاه... ومن ثمار النخيل ما يؤكل رطبا مثل القشوش ونشو الخرما ونشو الخشب... ومنها ما يؤكل سحا (تمرا) ادخارا للشتاء كالفرض والحنضل والبرني، ومنها مزيج بين الرطب والسح كالخلاص والزبد، وسميت نخلة الخصاب لخصبها ووفرة ثمارها الحمراء الفاتحة الشبيهة بالخنيزي غير أن الخنيزي احمراره غامق، وإن بدأت الخصاب تقيض فقد آذن القيض بالرحيل، وأما الهلالي فنصف موسمه يلحق الشتاء، وإن تأخر ظل بسرا فمآله الجداد نفيعة للحيوان.
ويظل الفلاح العماني في تلك الشهور منهمك العمل خاشع البذل بين (التنبيت والتحدير والخراف والجداد والتيبيس والكنز) ... وﻻ يزيده كرم النخلة إلا كرما فهو بين الإهداء والصدقات ما لا يطال عده ولا يستقصى حده، فسبحان من أدوع في هذين الخلقين توام الروح ودوام البوح... اللهم احفظ عمان وباقي أوطان اﻹسﻻم...
وللحكاية بقية ممتعة فانتظروها
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
هذه الحكاية تبدأ منذ (الفسل، ثم الشراط، ثم التنبيت؛ ثم الحدار، فالخراف فالجداد فالكنز).
تتمغط النخيل بأجنحة زورها لتشكل الجنات المعروشات ذات الظلال الرومنسية الهادئة، هي صديقة الفﻻح العماني ومساعده "البيدار" اللذان يتبادلان معها حكايات الصباح الباكر وتسبيحات العابد الشاكر، وقهوة العريش الساحر، هي النخيل العوان والعوان باللفظ القرآني {باسقات} أي: (الطوال)، وعوانها ممتد لعون صاحبها في قيضه وقضيته وشتاه، ففي حره من عرائشها صراد، وفي برده من أطرافها وكربها عن الرمض حراد، وعدوها الجراد، وثمرها غاية المراد، وفي القيض بيض في الشتاء مداد. كانت للعماني وكان لها، أمان الصدق وقرة الوفاء وسمر الحميم، وعناق المشتاق، وبسمة الحبيب، ولجة اﻷريب... وﻻ غرابة فهي المعاش والعشاش، والسوح والبشاش، والذخر والبر، والصدقات والتركات، ...والسوح من سحها والبشاش من بشرها.
ولتكاثرها أربع طرائق:
الطريقة اﻷولى: تنبت النخلة اﻷم نخيﻻت صغار بين عروقها وجذعها، ذلك النبت يسمى (الصرم) جمع صرمة، والصرم لغة من القطع، وسمي السيف القاطع بالصارم، وسميت الصرمة بذلك نظرا إلى مصيرها، وتسمى الصرمة أيضا بالفسلة، بالنظر إلى مآلها، فهي تقطع من أمها لتفسل (تغرس).
الطريقة الثانية: إن نبتت الصرمة من وسط القيعلة (جذع النخلة باللفظ القرآني) تسمى "القَعْوُ " وهو في اللغة البَكرةُ من الخشب، وجمعها قَعْوان، وسميت بذلك للتشابه على ما أحسب، غير أنها لا تصلح للفسل عادة إلا لقعو نخلة "الهلالي" فإنها تنبت، ويمكن يربط القعوان على أصل منبتها طينا مخلوطا بسماد عضوي ويحكم الربط بكيس يمنع دخول الهواء لبرهة حتى تنبت له عروق، فيقطع بعدها ليفسل.
الطريقة الثالثة: عن طريق "الحجب"-سيأتي معنى الحجب- الذي بداخل قمة النخلة، ويعرف طريقته مهندسو الزراعة. لكن هذا النوع من الفسائل أقل جودة مما سبق رغم سرعته في النماء.
الطريقة الرابعة:عن طريق غرس "الفلح" (أي:النوى) في تربة تمتزج بالطين وتسقى حتى تنظر (تنبت)، لكنها تحتاج وقتا طويﻻ، وتصلح هذه الطريقة لنقل النخيل عبر الهيميان إلى دول بعيدة.
أفضل اﻷوقات لغرس الفسائل هو موسم (الرباعني)، عندما تربع النخيل أي: عند انتهاء القيض، ويحدد في بداية جداد (جذاذ) نخلة الفرض، وبزوغ نجم سهيل، وأنسب وقت لغرس الخلاص في الشتاء.
من شهرنا هذا(يناير) يبدأ الطلع بانبثاقه من حنايا أمه فيظل الطلع في دأبه إلى شهره الثالث(مارس)، فيهرول البيدار المترقب إلى تنبيته بنبات الفحل، وتجده منهمكا ﻻ يهدأ لها بال ولا يهنأ له حال، فطلع من هنا وطلع من هناك، يترواح طلعها بين الخمسة والعشرين في النخلة الواحدة، يتفاوت طلوعه على أزمنة متفاوتة، ومن إبريل إلى يونيو يكون موسم الخراف(جني الرطب)، يقول الشياب:تنبيتها ثﻻثا وخرافها ثﻻثا. وبين التنبيت والخراف يقوم الفﻻح بعملية التحدير، وهي عملية إنزال العسق(حامﻻت الثمار) إلى أدنى درجة لتيسير الخرف، ويتعرض في هذه العملية إلى طعن السﻻ(شوك النخيل). ولكن قبل ذلك يقوم ب"الشراطة" وهي عملية التقليم وتكون بقطع الزور اليابس وشرط الكرب (تقطيع بداية الزور تهيئة لطلوع النخل) وإزالة طبقة الليف. ولكن في هذه الحالة يتعرض البيدار إلى لدغات دبي القط "الدبابير الصفر" المعششة بنكفها على الزور أو تلسعة "الفشاخين" المستوطنة في داخل الليف(جمع فشخون وهي النمل اﻷحمر العريض).
وأول بشر للرطب يأتي لنوع يسمى (القدم) وسمي بذلك لتقدمه على النخيل، ومنه قش البطاش أحمر اللون، ثم تأتي النغال ذات الرطب اﻷصفر ذو الرائحة الجميلة والسكر اللطيف، ومن النغال نوع في غاية الروعة نسميه (ملويف) رطبه مزيج بين التمر والرطب.... ثم تبدأ الخرايف بالتوالي (الخنيزي فالخلاص فالزبد فالجبري فالخصاب فالهلالي)، تتخلله القشوش، وقش العروس والنعيم والسويح والطبق والمنزف والمسفاه... ومن ثمار النخيل ما يؤكل رطبا مثل القشوش ونشو الخرما ونشو الخشب... ومنها ما يؤكل سحا (تمرا) ادخارا للشتاء كالفرض والحنضل والبرني، ومنها مزيج بين الرطب والسح كالخلاص والزبد، وسميت نخلة الخصاب لخصبها ووفرة ثمارها الحمراء الفاتحة الشبيهة بالخنيزي غير أن الخنيزي احمراره غامق، وإن بدأت الخصاب تقيض فقد آذن القيض بالرحيل، وأما الهلالي فنصف موسمه يلحق الشتاء، وإن تأخر ظل بسرا فمآله الجداد نفيعة للحيوان.
ويظل الفلاح العماني في تلك الشهور منهمك العمل خاشع البذل بين (التنبيت والتحدير والخراف والجداد والتيبيس والكنز) ... وﻻ يزيده كرم النخلة إلا كرما فهو بين الإهداء والصدقات ما لا يطال عده ولا يستقصى حده، فسبحان من أدوع في هذين الخلقين توام الروح ودوام البوح... اللهم احفظ عمان وباقي أوطان اﻹسﻻم...
وللحكاية بقية ممتعة فانتظروها
✒أبو عبدالرحمن سامي بن محمد السيابي
0 coment�rios: